بعد إعلان أسرة الكاتب الصحفي جمال خاشقجي أنها لا تعرف شيئًا عن الباحثة التركية خديجة جنكيز التي قدمت نفسها خلال الأيام الماضية باعتبارها خطيبة ابنهم المختفي، باتت قصة تلك السيدة وحقيقة علاقتها بخاشقجي بين الشواغل الرئيسة لمتابعي القضية والمهتمين بتفاصيلها.
وقطع معتصم خاشجقي الذي ترأس اجتماعًا كبيرًا للعائلة قبل يومين، الطريق على خديجة جنكيز، عندما أكد عدم معرفتهم بها، مشددًا على رفضهم التام محاولة تسييس اختفاء ابنهم، ودخول جهات معادية للسعودية بهدف نشر الشائعات.
ومنذ اختفاء جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر الجاري، تولت الباحثة التركية، بالاشتراك مع مدير القناة التركية الناطقة باللغة العربية توران قشلاقجي، مهمة الترويج لمزاعم اختطاف خاشقجي من داخل القنصلية السعودية، بعدما ادعت أنها كانت بصحبته لإنهاء إجراء نظامي يتعلق بزواجهما، غير أن معلومات تالية ، فضلًا عن خطوات اتخذتها السعودية من بينها السماح لوفد صحفي بجولة داخل مبنى القنصلية، أظهر كذب تلك الادعاءات.
وإثر نفي أسرة خاشقجي معرفتها بالباحثة التركية، توقفت الأخيرة عن التغريد عبر “تويتر”، فيما حاول عدد من أصدقائها الصحفيين، خاصة من القطريين والعاملين في قناة “الجزيرة”، الدفاع عنها و ترويج روايتها عبر منصات إعلامية معادية للسعودية، وحسابات شخصية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وأمس الأحد، دعم رئيس تحرير صحيفة “الشرق” القطرية جابر الحرمي، خديجة جنكيز، بتدوينة عبر حسابها في “تويتر”، قال فيها: “الصحفية التركية المميزة والتي اختارها الأستاذ جمال خاشقجي لتكون شريكة حياته، أجرت معي حوارًا في مايو2018 لمجلة “السياسة الخارجية” ببهو فندق كونراد في إسطنبول ونشر في يوليو.. متمكنة من اللغة العربية.. ورسالتها في الماجستير عن عمان الشقيقة التي تحبها”، لكن جنكيز لم تعلق على هذه التغريدة، ليبقى حسابها بغير تحديث لأكثر من 48 ساعة، ما يدل حسب مراقبين، على أن موقف أسرة خاشقجي، فضلًا عن الخطوات التي اتخذتها القنصلية السعودية لكشف مزاعمها، قد سبب إرباكًا لمن حاولوا توظيفها في هذه القضية.
وقالت مصادر إعلامية عربية مقيمة في إسطنبول لـ “عاجل”، إن جنكيز عبرت لمقربين منها عن دهشتها من موقف أسرة خاشقجي، مشيرة إلى أنها لا زالت تصر على وجود علاقة لها بخاشقجي، مستشهدة على ذلك بعدد من أصدقائهما المشتركين وبالذات مدير القناة التركية توران قشلاقجي والبروفسور محمد تشيلك، مضيفة أن الإعلان الرسمي عن هذه العلاقة كان مقررًا له الأيام المقبلة.
غير أن مصادر “عاجل” في إسطنبول، شككت في هذه الرواية، وأكدت أن خاشقجي نفسه لم يبلغ أيًا من أصدقائه المقيمين في تركيا بهذه العلاقة، كما أنه لم يقدم جنكيز في أي من المحافل التي جمعتهما بصفتها صديقة مقربة منه، في حين أظهرت معلومات أخرى أن العلاقة بين الباحثة التركية والصحفي السعودي المعروف، بدأت بشكل عادي قبل حوالي أربعة أشهر، خلال حضورهما منتدى فكري استضافته إسطنبول برعاية جهات عليا تركية.
وتظهر المعلومات التي توافرت لـ”عاجل”، أن جنكيز حرصت على التعرف بخاشقجي أثناء مشاركته في “منتدى الشرق” الذي استضافته إسطنبول في مايو الماضي، ودارت جلساته حول “بناء ترتيبات أمنية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، بمشاركة واسعة من رموز جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمتهم المدير السابق لشبكة “الجزيرة” القطرية وضاح خنفر.
وقال صحفي عربي كان قريبًا من فعاليات المنتدى أن خديجة جنكيز استغلت دورها في التغطية الصحفية للمنتدى، للتواصل مع خاشقجي، الذي عُرف بحرصه على الحضور الإعلامي، مضيفًا أنها عززت هذا التواصل بتغريدات خاصة عن أراء خاشقجي خلال الجلسة الافتتاحية، سواء عبر حساب المنتدى أو حسابها الشخصي على “تويتر”.
وتؤكد أولى تغريدات السيدة جنكيز حول المنتدى، إلى أنها لم تكن تعرف خاشقجي بشكل شخصي؛ إذ وصفته بأنه “أحد المشاركين”، مشيرة إليه باللقب المعتاد “أستاذ جمال”، وهو ما كررته بعد يومين عندما أشارت في تغريدة جديدة إلى أنها حاورت “الأستاذ جمال”، فعبر لها عن حبه لسلطنة عمان لأنها تجمع بين النخل والبحر و الخير، حسبما ذكرت.
ويرجع تركيز جنكيز على عُمان إلى أنها أقامت في السلطنة بعض الوقت، أثناء إعدادها دراستها للماجستير عن “التعايش المذهبي في عهد السلطان قابوس”، كما أن لها علاقات واسعة مع مثقفين عُمانيين ممن تعاملت معهم خلال السنوات الماضية.
وجاء أول ظهور لخديجة جنكيز على حساب خاشقجي في الرابع من أغسطس الماضي، لكن بطريقة لا تدل على وجود أدنى علاقة بينهما؛ حيث نشر الصحفي المختفي صورة تجمع عددًا من الشخصيات التركية، من بينها مدير قناة “تركيا” العربية، والبروفسور محمد تشيلك، خلال أمسية ثقافية بمنزل الأخير، مشيرًا إلى خديجة بصفتها البحثية.
وفي فيديو نشره خاشقجي في نفس اليوم، ظهرت جنكيز بين المشاركين في أمسية ثقافية بمنزل البروفيسور محمد تشيلك، ويلاحظ أن خاشقجي لم يشر لا تصريحًا ولا تلميحًا لأي علاقة تربطه بها، وإنما اكتفى بالإشارة إليها كباحثة في الشأن العُماني.
وبتقدير المصادر، فإن الذين خططوا لهذه العملية توقعوا أن العالم سيصدق على الفور ادعاء اختطاف خاشقجي من داخل القنصلية، بالنظر إلى مواقفه الأخيرة ضد السعودية، مستبعدين أن يشكك أحد في رواية سيدة تصف نفسها بأنها خطيبته وتؤكد أنها كانت معه لآخر لحظة.
وعلى ما قال الصحفي العربي المقيم في إسطنبول لـ”عاجل”، فإن زيارات خاشقجي لتركيا كانت مزدحمة باللقاءات، ومن الطبيعي أن يجتمع بصحفيين وباحثين، خاصة المقربين لدوائر الحكم و قيادات حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، الذي كان يرى فيه نموذجًا للحداثة الإسلامية، ومن المحتمل أن تكون السيدة خديجة جنكيز قد استغلت هذه اللقاءات للتقرب منه لأغراض بعيدة تمامًا عن الأمور الشخصية.
ويعزز من هذا القول، النشاط المريب للباحثة التركية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة “تويتر” باللغة العربية، حيث إنها اعتادت إعادة التغريد لعدد من الإعلاميين والبرلمانيين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم الإعلامي المصري أحمد منصور، والجزائرية خديجة بن قنة، والكويتي طارق السويدان وغيرهم، علمًا بأن معظم هذه التغريدات تسيء إلى السعودية، وتحرّض ضدها.
ولا تخفي خديجة جنكيز ولاءها لجماعة الإخوان، ففي كثير من تغريداتها دفاع حاد عن القيادات الإخوانية، فضلًا عن الترويج لأفكار ومواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا سيَّما خلال استضافته للقمة الإسلامية الطارئة التي استضافتها تركيا، ردًا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتأكيد انتمائها لجماعة الإخوان، احتفت جنكيز في 27 فبراير الماضي، بذكرى رحيل زعيم الإسلاميين الأتراك نجم الدين أربكان، مؤكدة أنه “لم ولن يأتي رجل مثله في التاريخ الوطني”.
وفضلًا عن علاقتها المؤكدة بالدوائر القطرية، أقدمت خديجة جنكيز في أكثر من مناسبة على إعلان تأييدها لمواقف الدوحة، حتى أنها نشرت بعد عام من بدء المقاطعة العربية لقطر، رسالة إلى الشعب القطري بشَّرته فيها بـ”العز والخير”، مكررة بذلك مقولة ذكرها تميم بن حمد في خطاب سابق.