أزاح الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات العامة الأسبق الستار عن عددٍ من المواقف التي كان حاضراً فيها خلال المفاوضات المتكررة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحدث عن جهود الملك فهد والملك عبدالله رحمهما الله الداعمة للقضية الفلسطينية.
وقال الأمير بندر في حديثه لصحيفة “الإندبندنت” إن الملك فهد رحمه الله حينما كان ولياً للعهد التقى الرئيس الأمريكي كارتر في الولايات المتحدة، فقال له كارتر أريد إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وبدء مفاوضات السلام، مقابل أن يعترف الفلسطينيون بالقرارين الأمميين 242 و 338.
وأضاف الأمير بندر أن ولي العهد الأمير فهد سرّ بما سمع وتحمس للعرض وغير برنامجه لأجل القضية الفلسطينية، وعاد للمملكة بدلاً من إسبانيا التي كان مقرراً أن يقضي إجازته فيها، وطلب من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية آنذاك الاتصال بالرئيس الفلسطيني ودعوته للطائف.
عرفات يضع 10 شروط للموافقة على الاتفاقية
وتابع: “جاء ياسر عرفات للطائف وذكر له الأمير فهد ما حدث بينه وبين كارتر، ففرح وشكر الأمير فهد”، وطلب الأمير فهد منه التوقيع على الاتفاق لكن ياسر عرفات طلب إمهاله يومين للذهاب إلى الكويت لإخبار مجلس قيادة الثورة الفلسطينية بالأمر، واتفق مع ولي العهد على أن يعود بعد ذلك.
وأضاف: “طلب ياسر عرفات طائرة فأعطيناها له وذهب إلى الكويت واستمر 9 أيام دون أي رد، وبعدها أرسل لنا مندوبا فلسطينيا بخطاب موجه لكارتر وموقع منه ويقول في الخطاب نحن موافقون على اتفاقك مع فهد بن عبدالعزيز وفق 10 شروط”.
وقال الأمير بندر إن هذه الشروط العشرة لا يستطيع الاتحاد السوفيني نفسه فرضها على أمريكا، رغم أن كارتر كان يقول “فقط اعترفوا بالقرارين الأمميين ودعونا نبدأ”.
حافظ الأسد قال لياسر عرفات “بطخك بطراق”
وأضاف الأمير بندر أن التعقيد جاء من الجانب الفلسطيني ولم يرد الملك فهد إبلاغ الأمريكان بذلك كي لا يلقي اللوم على الفلسطينيين، وقال للسفير الأمريكي إن المملكة درست العرض المقدم ووجدت أنه لا يفي بحق الفلسطينيين.
وتابع: “جاء بعد ذلك ملحق الحكم الذاتي في غزة والضفة، والذي قال لي ياسر عرفات شخصياً إنه أفضل بعشر مرات من اتفاقية أوسلو، قلت له لماذا إذاً لم توافق عليه؟ فأجابني: “حافظ الأسد قال لو وافقت “طخيتك بطراق”! كيف تعمل سلام قبل أن تعمل سوريا اتفاقا”.
قصة ياسر عرفات والطائرة السعودية الخاصة
وحول قصة ياسر عرفات والطائرة السعودية، قال رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق: “وجهني الملك فهد للذهاب إلى تونس لإطلاع عرفات بما توصلنا إليه مع الرئيس الأمريكي ريجان، فأخبرت عرفات أن الملك فهد سيتوجه إلى الأردن كي يتم تشكيل الوفد المشترك لبدء التحرك لتحقيق مصالح الفلسطينيين، فرد أبو عمار بأنه سيأخذ الفرصة ويذهب إلى الأردن لكن لا يوجد لديه طائرة خاصة”.
وأضاف: “كنت ذهبت إلى تونس بطائرة خاصة صغيرة سعودية، قلت له طائرتي تحت أمرك خذها إلى الأردن وأنا أتصرف، فرد أبو عمار أنه يحتاج أخذ موافقة ودعم الفصائل الفلسطينية الأخرى بعضها في سوريا أخذ أبو عمار الطائرة وذهب إلى عدن واستمر في تنقله بالطائرة لأكثر من شهر، بين عدن وبغداد ودمشق وغيرها ولم نره بعدها”.
وأشار إلى أن الرياض ذهلت من تصرفات ياسر عرفات، حيث كان ينتقص مما تقدمه الرياض وكان يقول للوفد الفلسطيني في عمان إنهم لن يخبروا الملك حسين ملك الأردن بكل شيء، بل سيقولون إن السعوديين لم يستقبلوهم، مشيراً إلى أن الملك حسين اتصل بالملك فهد وأخبره عن تصرفات عرفات والوفد الفلسطيني.
بندر بن سلطان ومصافحة رابين.. وماذا قال له الملك فهد عن ذلك
ويستذكر الأمير بندر مواقف تخص القضية الفلسطينية في أواسط التسعينيات في عهد الرئيس كلينتون، قائلاً “حدث توقيع اتفاق في البيت الأبيض بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وياسر عرفات، وكان كل السفراء مدعوين للحضور وعملنا على ترتيب كل شيء لكي يكون الأمر في صالح الفلسطينيين، وعندما تأكدت أن كل شيء على ما يرام عدت إلى جدة وقلت لنفسي إنه لا داعي للحضور”.
وأضاف: “عندما عدت طلبني الملك فهد واتصل بكلينتون وسأله ماذا يريد، فقال كلينتون للملك فهد إنه تم بذل جهد كبير للتقدم في عملية السلام، وفي النهاية يأتي أبو عمار ورئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيتها وسفراء العالم، باستثناء السفير السعودي، وهذا “المنظر” ليس جيداً، فقال الملك فهد رداً على كلينتون بالعكس “المنظر” جميل لنا، فرد كلينتون سيقولون أننا استطعنا جمع الجميع عدا السفير السعودي”.
وقال الأمير بندر إن الملك فهد أمره بالعودة إلى واشنطن وحضور حفل التوقيع، ويتحدث عن ذلك: “قلت للملك فهد هناك نقطة طال عمرك، وهي أن التقاليد في احتفال مثل هذا تقول بأنهم ينزلون ويسلمون على الصف الأول، وسأكون أول دبلوماسي وإذا سلموا على الضيوف والكونغرس وبقية الضيوف وأنا في الصف الأول سأضطر لمصافحة رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيته؟ فقال الملك “انجنيت أنت، الحين أبو عمار يسلم عليهم وأنت ما تسلم، احنا كلنا تعبنا عشان فلسطين، كيف حلال على أبو عمار يسلم وأنت حرام عليك تسلم؟ سلم مثل غيرك”.
كلينتون رفض أن يقبله عرفات والسبب “الانتخابات”
وأشار الأمير إلى أن كلينتون طلب منه طلبين قبل موعد الحفل، وهما ألا يقبله الرئيس الفلسطيني أمام الناس حتى لا يخسر الانتخابات الأمريكية، والطلب الثاني أنه سيقرأ نصوصاً من القرآن والتوراة ويريد آيات من القرآن يقرأها في الحفل، فقال له الأمير بندر أنه لا يستطيع إخبار عرفات لأنه لا علاقة مباشرة بينهما، وبخصوص الآية اقترح عليه “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) قلت له اطبعها وترجموها”.
وقال إنه تحدث إلى عرفات وقال له “الملك يقول لك خلك ثقيل سلم يدك ممدودة على رابين وبيريز، قال عرفات أكيد، قلت له وعلى كلينتون كذلك، قال لا لا كلينتون لازم أبوسه وأشكره”. قلت له: إن قبلته لن تأتي المملكة، قلت له سنشرح لهم، وأقنعته فعلاً، ووعدني بألا يفعل ذلك”.
ويضيف الأمير: “وحين انتهت فعاليات السلام. وحين جاءت المصافحة، صافحت أبو عمار، ثم كلينتون، وفجأة ظهر رابين أمامي، لم يمد يده، وظل يطالعني وأنا أطالعه فجاء كلينتون وشعر أن أمراً ما يحدث، فوضع يده على كتف رابين ثم حاول وضع يده على كتفي، فتراجعت كي لا يستطيع التقريب بيننا، عرفني كلينتون، وقال رابين هذا الأمير بندر قال أعرف يا فخامة الرئيس، سمعنا عنه كثيرا في الـ F15 والأواكس، وحين مد يده مددت يدي وصافحته”.
سعود الفيصل: هذه ليست المرة الأولى التي يكذب فيها عرفات
ومن ضمن المواقف أيضاً، قال الأمير بندر: “حين جئنا إلى الأمم المتحدة غضب عليّ الملك عبدالله وكان ولياً للعهد، وقال: كيف تقول لي بأن الاتفاق جيد وفجأة يقول لي الفلسطينيون أن شيئاً لم يحدث؟ وجلسنا أنا وسعود الفيصل وأولبرايت والمستشار دينيس روس وقبل أن تسهب أولبرايت في الترحيب قاطعها الملك عبدالله وقال: هل تريدون السلام فعلاً ودعم لعملية السلام أم لا؟ ذهلت اولبرايت وكذلك دينيس.
وأضاف: “قالت له يبدو أن هناك سوء فهم، قال: هل صحيح أنكم لم تعرضوا عليهم اتفاقا أو توقيعا؟ قالت أولبرايت غير صحيح جلالة الملك، فرد الملك : أبو عمار أخبرني، قالت مادلين: إنه يكذب. التفت الملك إلينا وقال معقولة؟ قال سعود الفيصل ليست هذه المرة الأولى التي يكذب فيها”.
وأشار إلى أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز اتصل به وأخبره أن أبا عمار يقول إن هناك إشكاليات وطلب منه الذهاب إلى واشنطن، وحين التقى به أخبره أبو عمار أنه تم الاتفاق على كل شيء عدا نقطة بسيطة غير مهمة بالنسبة للأمن.
وأضاف الأمير بندر أنه في هذه الأثناء تلقى اتصالاً من مستشار كلينتون للأمن الوطني ساندي بيرغرز، وقلت له أبو عمار يقول أنكم اتفقتم؟ قال إنه يكذب. وإذا بكلينتون يكلمني، وكان غاضباً، وقال لي لا أستطيع فعل أي شيء أكثر. رميت بثقلي كاملاً لأجل الفلسطينيين، وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك خرج من الاتفاقية، وهددته بأنه لو فعل ذلك سنتخذ إجراءات.
وأضاف الأمير: قلت له فخامة الرئيس الفلسطيني يقول لي إنه وافق معك وأن جورج تينيت سيأتي بعد قليل يوقع ثم يعود، قال لي كلينتون جورج تينيت ذهب لياسر عرفات وعاد! ذهلت من المراوغة وعدم الشفافية وتساءلت كيف يكذب ياسر عرفات علي؟ لماذا لم يتفقوا؟”.
عرفات وعلاقته بشارون
واختتم الأمير بندر حديثه بأن المفاجأة اللاحقة التي اكتشفتها المملكة هي أن ياسر عرفات كان على تواصل مباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون عبر ابنه عومير، وأن شارون وعدهم بعرض أفضل من حكومة ايهود باراك.
ويقول الأمير: “انتهت الفرصة التاريخية، وذهب باراك وجاء شارون، وحدث ما حدث للفلسطينيين والمسجد الأقصى في عهد شارون من إجرام بحق الشعب الفلسطيني الشقيق وتدنيس للمسجد الأقصى والمقدسات، ولذا فأنا أقول أن ياسر عرفات ارتكب جريمة بحق الفلسطينيين والقضية الفلسطينية”.