وجّهت الأحداث المثيرة، التي أحاطت بالانتخابات البلدية التركية الأنظار، إلى علاقة وكالة «الأناضول» الرسمية في خدمة حزب «العدالة والتنمية»، ودورها في خدمة أهداف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأثار موقف الوكالة من نتائج الانتخابات في مدينة إسطنبول، التي خسرها مرشح الحزب الحاكم؛ رغم أنّها من معاقله التقليدية، الجدل حول مدى التزامها بالدور المنوط بها، كمؤسسة رسمية مستقلة مملوكة للدولة، وليس لحزب أو تيار.
وذكرت صحيفة «أحوال»، أمس الجمعة، أنّ النتائج التي نشرتها «الأناضول» كشفت الغطاء عن تبعيتها للحزب الحاكم، موضحة أنّ الوكالة أصرّت طوال ليلة فرز الأصوات على إعلان تقدم مرشح الحزب الحاكم في إسطنبول بن علي يلدريم، لكن عندما بدا أن الأوضاع توشك أن تتغير واقتراب مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو من اقتناص الصدارة، توقفت الوكالة فجأة عن بث التطورات؛ لتبقى البلاد في حالة ترقب لأكثر من 12 ساعة.
وأضافت الصحيفة: «في الصباح التالي، قال رئيس المجلس الانتخابي إنّ الفرز أظهر تقدم إمام أوغلو على يلدريم»، لافتة إلى أنَّ منتقدين للحكومة أشاروا إلى أن المدير العام للوكالة شينول كازانجي، توقف عن نشر النتائج المحدثة؛ بناء على طلب حزب العدالة والتنمية.
وتابعت: «بالنسبة للكثيرين، فقد أثارت المحاباة الواضحة للحزب الحاكم في ليل يوم الانتخابات سؤالًا مهمًا.. كيف تغيَّرت وكالة الأنباء الوطنية على مدى 17 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية؟».
ويعود تاريخ وكالة الأناضول لما قبل إعلان الجمهورية التركية في عام 1923، فقد تأسست في السادس من أبريل من عام 1920، وكانت شاهدةً على الحرب والتحولات، التي طُبقت بعد تأسيس الجمهورية.
وحصلت «الأناضول» على وضع مستقل في الأول من مارس 1925، ويفترض أنّها تعمل كمؤسسة مستقلة، غير أن موظفي الوكالة يُنظر إليهم على أنهم مسؤولون تابعون للدولة، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، سرعان ما أصبحت الوكالة ذراعًا للحزب الحاكم.
وقالت «أحوال»: «تندرج ميزانية الوكالة مع ميزانية المديرية العامة للصحافة والإعلام، وقد أعلنت الوكالة تكبدها خسائر بقيمة 65 مليون ليرة (34 مليون دولار) في عام 2011، و105 ملايين ليرة (49 مليون دولار) في عام 2013، فيما أدى إلى تحويل 112 مليون ليرة من ميزانية المديرية في العام التالي لسد العجز».
وفي الأعوام الثلاثة حتى 2014، تلقت وكالة الأناضول 386.9 مليون ليرة من المديرية العام للصحافة والإعلام، لكن في 2013 فقط سجلت دخلًا إجماليًّا بقيمة 28.5 مليون ليرة من الاشتراكات.
وأظهر تقريرُ حكومي، صدر في 2015 بشأن أنشطة المديرية، أنّ 70% من ميزانيتها للمؤسسات ذهب إلى وكالة الأناضول خلال السنوات الثماني السابقة، بإجمالي 715 مليون ليرة.
ويتم إنفاق هذه الميزانية، حسب صحيفة «أحوال»، على سداد أجور الكتيبة الهائلة من موظفي الوكالة، الذين يتجاوز عددهم 3000 شخص منتشرين في أنحاء العالم، مضيفة: «لا بد أن هناك التزامات تأتي مع هذا التمويل الاستثنائي، ويعتقد الكثيرون أن الوكالة أصبحت امتدادًا للحزب الحاكم.
وفي عام 2015، أزالت الوكالة اسم مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس جمهورية تركيا، ما اعتبر علامةً على تحولها صوب الحزب الحاكم، كما قالت الصحيفة.
كما وجّه مراد أمير عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، في العام نفسه، سؤالًا في البرلمان يطلب ردًا على مزاعم بأنّ المرشحين لوظائف في الأناضول واجهوا أسئلة لتحديد توجهاتهم السياسية، وأن التعيين جرى بناء على ذلك.
وذكرت الصحيفة أنّ بواعث قلق المعارضة بخصوص وكالة الأناضول، بدأت بالفعل منذ تعيين كازانجي مديرًا عامًا لها في عام 2014.
وكازانجي معروف بأنه رجل الرئيس رجب طيب أردوغان؛ حيث كان يعمل صحفيًا في صحيفة «يني شفق» اليومية المؤيدة للحكومة، قبل أن يصبح أحد كبار مستشاري أردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء في 2011.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الصلة بين مدير الوكالة وأردوغان تعود إلى زمن أبعد؛ حيث كان كازانجي صديقًا لبلال نجل الرئيس منذ المدرسة الثانوية، لافتة إلى أن الوكالة أثارت القلق مرة أخرى العام الماضي، بعدما بدا أن قناة تليفزيونية مؤيدة للحكومة تنشر نتائج انتخابات حصلت عليها من وكالة الأناضول، قبل خمسة أيام من التصويت.
وردّت «الأناضول» على ذلك بالقول، إنّ النتائج التي نشرت كان محاكاة للتوقعات، لكن محمود تانال العضو في حزب الشعب الجمهوري ندد بالوكالة، واتهمها بمحاولة التأثير والتلاعب في نتائج الانتخابات عن وعي وقصد.
وقبل أشهر من الانتخابات المحلية، التي أجريت يوم الأحد الماضي، أثار سياسيون من المعارضة شكوكًا جديدة حول موضوعية الوكالة، وقال النائب ياسين أوزتورك إنّ بطاقات هوية وكالة الأناضول جرى توزيعها على أعضاء جناح الشباب في حزب العدالة والتنمية.
ووفق تقرير صحيفة «أحوال»، فقد تعزّز ما كشفه أوزتورك ليلة الانتخابات، عندما توقف فجأة نشر تطورات الفرز بوكالة الأناضول الساعة 11:21 مساء، وظهرت سريعًا أنباءً بأنّ مسؤولي حزب العدالة والتنمية في مراكز الاقتراع يغذون «الأناضول» بالبيانات من نظام يستخدمه الحزب لمراقبة النتائج، كما ذكرت تقارير أنّ تحديثات الوكالة توقفت عندما انهار هذا النظام في إسطنبول.
وقال موظفٌ بـ«الأناضول»، طلب عدم الكشف عن هويته، إن المصدر الدقيق للبيانات ليل يوم الانتخابات ظلّ غامضًا بالنسبة للموظفين، لكنّ الوكالة كانت على اتصال وثيق بمسؤولي حزب العدالة والتنمية طوال الليل، وتساءل: «المصدر الأول هو بالطبع حزب العدالة والتنمية.. إذا لم تتلق الوكالة بياناتها من المجلس الأعلى للانتخابات، فمن أين تحصل عليها إذن؟».
وردّ رئيس المجلس الانتخابي صباح اليوم التالي للانتخابات سادي جوفين على هذا السؤال بقوله، إنّ الوكالة لم تكن تحصل على بيانات من المجلس، وإنه ليست لديه أي فكرة عن مصدر البيانات التي حصلت عليها.
لكنّ الموظف أوضح: «أعتقد أن الوكالة تحصل على معلوماتها من المقار الإقليمية لحزب العدالة والتنمية، إذ لا تملك الوكالة القوة البشرية الكافية لنشر مراسل عند كل صندوق اقتراع.. المراقبون التابعون لحزب العدالة والتنمية يأخذون أعداد الأصوات ويرسلونها إلى المقار الإقليمية».
وتابع: «هذا يفسر تقارير الوكالة التي أظهرت أن حزب العدالة والتنمية في الصدارة بفارق كبير من بداية الفرز، فالبيانات التي أرسلها مسؤولو الحزب أولًا جاءت من المناطق التي يتمتع فيها بأكبر قدر من الدعم».