تكشف تحركات إيران المشبوهة، عن العلاقة العضوية التي تربطها بعشرات الميليشيات المسلحة في الجوار العربي، وتؤكد في الوقت نفسه، أن مَنْ يتواجدون في المنطقة من قوات «الحرس الثوري»، ليسوا مجرد «مستشارين لنقل التجارب والخبرات الدفاعية»، كما تزعم طهران في خطابها السياسي والإعلامي.
وفي ظل الدور المشبوه الذي تلعبه إيران في العراق وسوريا ولبنان، والأهم، في اليمن (جماعة الحوثي الانقلابية)، تتبدى رغبة طهران التوسعية التي تتم بالتنسيق (المباشر، وغير المباشر)، مع أطراف أخرى (قطر، وتركيا) وكل مَن تتلاقى مصالحهم الضيقة معها.
وتعتمد استراتيجية إيران التي ينفِّذها رجلها القوى في إدارة العمليات الخارجية (العسكرية.. الأمنية.. الاستخباراتية) الإرهابي، قاسم سليماني، على الاستعانة بحلفاء إقليميين، ينتمون إلى بيئتهم الجغرافية والثقافية، حتى تكون لديهم القدرة على تنفيذ ما يُطلب منهم من عمليات إجرامية.
تكليفات
وتكلف قيادة قوات الحرس الثوري (عبر قاسم سليماني، ومساعديه) الميليشيات التابعة لها في المنطقة، بأعمال عسكرية – أمنية، في مناطق وجودهم بعد تلقي الخبرات التدريبية والدعم (المالي – التسليحي)؛ لتهديد استقرار الدول المستهدفة، والضغط على القوى الدولية للحصول على مكتسبات.
ويتولى سليماني (بأمر مباشر من علي خامنئي)، مسئولية تنسيق الدور الإيراني في: «لبنان، العراق، أفغانستان، فلسطين، اليمن، ليبيا والسودان»، كما أُوكلت له منذ منتصف عام 2010 مسؤولية التنسيق المباشر وغير المباشر (عبر منظمات وحركات فلسطينية)، مع عناصر تكفيرية في شمال سيناء.
ويتعاون سليماني في هذا الشأن مع صديقه المقرب حسين حمداني (نائب القائد السابق لقوات الباسيج، خبير إدارة عمليات الميليشيات والمنظمات)، إلى جانب قائد آخر هو الجنرال «يد الله جفاني»، في التخطيط والتوجيه وتحديد حجم الدعم للميليشيات التابعة.
ويتبع «فيلق القدس»، الذي يتولاه قاسم سليماني، لقوات الحرس الثوري الإيراني (الباسداران)، وهي الميليشيا الدينية التي تضم أيضًا قوات التعبئة العامة (الباسيج)، المجهّزة بقوات برية وبحرية وسلاح الجو والاستخبارات الخاصة به.
علاوة على ذلك، هناك القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني (90 ألف عنصر مقاتل.. نحو 300 ألف جندي احتياط)، معظم عناصره يستخدمون واجهة مدنية لتحركاتهم داخل وخارج إيران، عبر أنشطة مدنية وتجارية.
موازنة
ويوجِّه «فيلق القدس» موازنته الضخمة إلى دعم العمليات والأنشطة الضخمة لإيران في المنطقة وخارجها، وسط معارضة (تقمعها إيران) لتدخلات الحرس الثوري في الجوار؛ كونه يكبد الاقتصاد الإيراني شهريًّا أكثر من مليار دولار.
ويُعَدُّ فيلق القدس بمثابة الميليشيا وجهاز الاستخبارات الأهم داخل منظومة الحرس الثوري، وفيما يرفع شعار «تحرير فلسطين» إلا أن الدور المشبوه الذي يقوم به منذ سنوات، لا سيّما الفترة التي تزامنت مع موجة ما يسمى بـ«الربيع العربي».
وكشفت العديد من المعلومات والتقارير العربية والغربية، عن حقيقة الدور الذي تلعبه قوات «فيلق القدس» في المنطقة العربية، عبر: «جمع المعلومات، تنفيذ عمليات خاصة، تهريب الأسلحة، ودعم أنشطة سياسية لتمدد النفوذ الإيراني».
ومع أن قوات «فيلق القدس»، تأسست مطلع الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية مع العراق؛ لدعم الأكراد في مواجهة الرئيس الراحل صدام حسين، فقد تولت لاحقًا المهام السرية الخارجية الموكلة لقوات الحرس الثوري الإيراني.
استقلال
ورغم أنه يُعَدُّ من الناحية التنظيمية جزءًا من القوات المسلحة، لكن قوات الحرس الثوري (وفيلق القدس) تتمتع بقيادة مستقلة تتلقى أوامرها من المرشد الإيراني، على خامنئي، يحدث هذا رغم تتابع عدة أسماء على قيادات الميليشيات الأضخم في إيران (محسن رضوى، يحيى رحيم صفوي، واللواء محمد على جعفري).
ويحافظ «فيلق القدس» على خصوصيته في تركيبة الحكم الإيرانية، مدعومًا بصلاحيات واسعة، لا سيّما أن أبرز قادته السابقين يتحكمون بمفاصل الدولة، بينما تتكفل أنشطته الاقتصادية التي تُقدَّر بمليارات الدولارات (مجالات النفط والغاز، البنية التحتية، وقطاعات إنتاجية وخدمية) بالهيمنة على الداخل الإيراني.
مزاعم
وقد كشف رئيس منظمة الباسيج (العميد محمد رضا نقدي)، عن الدور التوسعي – المشبوه للحرس الثوري الإيراني في المنطقة العربية، عبر تصريحات استعلائية حول استراتيجية إيران في الشرق الأوسط، وزعم (قبل محطتين من العقوبات الأمريكية) أن «إيران تعيش ذروة قدرتها السياسية – العسكرية…».
وزعم أيضًا أن «تحديد مصير المنطقة أصبح مرتبطًا بالقرارات التي تتخذها في إيران…»؛ عبر «تقاطعها مع ما يحدث في العراق وسوريا ولبنان وبعض دول المنطقة…».
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات (وغيرها)، ترتبط بحجم الأموال الطائلة التي تنفقها إيران على التيارات والأحزاب الموالية لها في المنطقة العربية.
واستغلَّت أجواء الانفلات الأمني عقب ما يُعرف بـ«ثورات الربيع العربي» (عسكريًّا، وأمنيًّا، واستخباراتيًّا…)، بعدما بادرت قوات «فيلق القدس» بتنفيذ عمليات ممنهجة في الدول المستهدفة، أخطرها: محاولة إسقاط اليمن في قبضة الحوثيين، قبل تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
تهريب
كما أنها عقب انهيار نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، نجحت في الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة (أهمها صواريخ أرض- جو إس إيه-2، روسية الصنع…)، من ترسانات السلاح الليبية وتهريبها عبر الحدود الليبية.
وتم نقل هذه الشحنات إلى قاعدة عسكرية بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور السودانية (ضمن اتفاق ضمني)، وقد ذهب بعض من هذا السلاح لجماعات إرهابية (وتكفيرية)، في مصر، ومنظمات جهادية في فلسطين.
وعملت إيران على تغيير عقيدة منظمات وفصائل جهادية في فلسطين، لتتحول هذه المنظمات والحركات من مواجهة المحتل الصهيوني؛ لمواجهة الداخل العربي (الوقائع في مصر وسوريا نموذجًا)، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويتم هذا بتعاون كامل بين فيلق القدس ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية (16 جهازًا للأمن والاستخبارات تتبع وزارة الاستخبارات.. استخبارات الحرس الثوري.. مخابرات الجيش.. استخبارات الشرطة)، وتعمل هذه الأجهزة تحت إشراف مجلس تنسيق المعلومات (أعلى هيئة استخبارية في إيران).
وفيما يرأس هذه الهيئة وزير الاستخبارات، فإن الوزارة تدعم أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني، لا سيّما «مكتب التضليل»، المعني بشنّ حرب نفسية ضد أعداء إيران، وكذلك فيلق القدس الذي يدير العمليات الخارجية، لا سيّما في استهداف الجوار العربي.