بينما كان يراها الإيرانيون سابقاً “بطلة وطنية”، تواجه الآن شهرزاد ميرقليخان (41 عاماً)، التي عملت سيدة أعمال و”مفتشاً خاصاً” في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، تهمة التجسس لمصلحة الولايات المتحدة من قِبل “وحدة استخبارات تابعة للحرس الثوري الإيراني”.
وحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فقد أثارت سيدة الأعمال شهرزاد؛ جدلاً واسعاً في أوساط الإيرانيين بعد نشرها عدة وثائق ومقاطع مصورة في شهر مايو الحالي، التي أنذرت فيها المرشد الأعلى آية الله خامنئي؛ والحرس الثوري، عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي، “تويتر”، بأنها ستكشف عن أوراق الفساد في دائرته الضيقة جداً.
عزيزي خامنئي: انتهت اللعبة
بدأت رسالتها بـ: “عزيزي آية الله: انتهت اللعبة، حان الوقت لكي يعلم العالم أن ابنك مجتبى خامنئي وأعوانه مصدر الفساد والشر في إيران، سأكشف عن جميع الأوراق التي بحوزتي، عن شرهم وظلمهم وفسادهم، ولا يهمني شيء سوى إيران وشعبها”.
ويتساءل بعض الإيرانيين عن سرّ تحذيراتها “الجريئة” أو “المزيّفة” التي قد تدين أعلى الجهات في البلاد.
وفي حوار لـ “بي بي سي” كشفت شهرزاد؛ عن حقيقة التهم الموجهة إليها وسرّ جرأتها في تهديد الاستخبارات الإيرانية وخامنئي.
استقبال الأبطال
سُجنت شهرزاد؛ في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لمصلحة إيران عام 2007، وعندما تم إطلاق سراحها من السجن، استُقبلت في بلدها استقبال “الأبطال” وعُينت بعد فترة وجيزة مديرة للعلاقات العامة في تلفزيون “برس تي في” الحكومي.
وبعد ذلك بعام، عيّنها محمد سرافراز؛ المدير السابق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، في منصب “المفتش الخاص” في المؤسسة.
وبحكم وظيفتها، اطلعت شهرزاد؛ على جميع المسائل والقضايا التي كان “يتدخل فيها الحرس الثوري وابن خامنئي، مجتبى”.
وكان يتعين عليها رفع التقارير إلى سرافراز؛ الذي بدوره كان يرفعها لخامنئي مباشرة.
يُذكر أن رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمي يُعين من قبل خامنئي شخصياً.
بداية المشكلات مع الحرس الثوري
وحسب شهرزاد؛ بدأت المشكلة بعد إعدادها فيلماً وثائقياً عام 2015، عن تجربتها في السجن في الولايات المتحدة، وفيه تروي قصة سجنها، وكيف تورّط زوجها السابق محمود سيف؛ في تهريب خوذ مزودة بمناظير ليلية تُستخدم لأغراض عسكرية من أمريكا إلى الحرس الثوري وبعلم ابن خامنئي، وكيف استغل زوجها مكتبها في هذه العملية، وتسبّب في سجنها.
وكانت وحدة استخبارات تابعة للحرس الثوري قد طلبت منها عدم نشر كتابها الذي تضمن جميع مذكراتها والتي تتحدث فيه عن المعاملة السيئة التي لقيتها في السجن من جهة، ومن زوجها السابق محمود سيف؛ من جهة أخرى.
ولم تمضِ فترة طويلة، حتى اتهمت بالتجسس لمصلحة الولايات المتحدة من قِبل الحرس الثوري وطُلب منها مغادرة البلاد إلى سلطنة عُمان على حد قولها.. إلا أن الحرس الثوري ينفي ذلك.
لقاء في مسقط
وبعد سفرها إلى مسقط، العاصمة العُمانية، سافر سرافراز؛ إليها ومعه الوثائق (المذكرات) التي تركتها خلفها في إيران، كما شُوهد في مقطع الفيديو الذي نشرته شهرزاد؛ في صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وأضافت أن تلك الأوراق وجهاز الكمبيوتر الخاص بها، سُرقا من سيارتها دون المسّ بأشياءٍ أخرى؛ ما جعلها توجّه أصابع الاتهام إلى رجال الحرس الثوري، ووافقها الرأي سرافراز؛ الذي أكّد ذلك في مقابلة على قناة تلفزيونية.
لكن الحرس الثوري ومجتبى خامنئي وقياديين آخرين لا يولون أهمية لما تقوله في صفحتها في “تويتر”، بل يطالبون سرافراز؛ الذي أكّد كلامها ودافع عنها علناً بتقديم دلائل وإثباتات تؤكّد كلامه.
وليس واضحاً سر مخاطرة محمد سرافراز؛ ودفاعه العلني عن شهرزاد؛ التي تهدّد أعلى الجهات.
وتقول شهرزاد: “لا يريدونني الكشف عن جرائم زوجي السابق، المقرّب من مجتبى والحرس الثوري، ودائرة الأشرار المحيطة بهم”.
اتهامات بالتجسس
بعد عودتها إلى إيران، كانت شهرزاد؛ مقرّبة من السلطة وتسلّمت مناصب إعلامية وإدارية مهمة في البلاد، إلا أن “صدمتها بدأت عندما منعتها الاستخبارات الإيرانية من نشر مذكراتها عن فترة سجنها، وتقول: “ففي الوقت الذي كان يُوصف فيه الأمريكيون بأنهم “الشيطان الأكبر” من قِبل الإيرانيين بمَن فيهم شخصيات قيادية بارزة، كنت ممنوعة من نشر مذكراتي عن السجن”.
وكانت تلك بداية المشكلة، إذ “لفّق” وقتها الحرس الثوري تهمة “التجسس لمصلحة الولايات المتحدة” دون أيّ إثباتٍ أو دليلٍ، على حد تعبيرها.
كما قالت إن الحرس الثوري اتهمها بإقامة علاقة رومانسية مع سرافراز؛ وأُشيع خبر هروبها من البلاد وحاولوا تشويه سمعتها بشتى الوسائل، لكن الحرس الثوري نفى ذلك، بحسب مواقع إيرانية محلية.
لماذا سلطنة عُمان؟
وفي ردّها عن سبب نفيها إلى عُمان تحديداً، بدلاً من محاولة اعتقالها أو إنهائها كلياً على سبيل المثال، تقول: “كانت لديّ تأشيرة عمل في سلطنة عُمان وكانت ستنتهي خلال عام، كما أنهم كانوا على علمٍ بحساباتي ورصيدي في البنك، ربما فكروا في أنني سأضطر إلى مغادرة عُمان إلى تركيا، ومن هناك تسهل عملية التخطيط لقتلي بعيدا عن إيران، لإبعاد الشكوك عن أنفسهم”.
وتقول “لم تتدخل سلطنة عُمان أو تتوسط في قضيتي، هنا في مسقط، لا يتحدثون معي حول أي شؤون سياسية، ولكن أصدقائي في الأسرة الحاكمة نصحوني بالابتعاد عن شؤون سياسية والاستمتاع بحياتي مع ابنتيّ التوأم”.
سر انتقادات “سرافراز” الجريئة للحرس الثوري
من اللافت للانتباه أن سرافراز؛ ينتقد الحرس الثوري ويدافع عن شهرزاد؛ في مقابلاته التلفزيونية من داخل إيران دون خوف. وكان آخر لقاء له على قناة “جام جام” الحكومية، انتقد فيها بشدة الحرس الثوري، وقال عنه إنه “يتصرف بطريقة غير منطقية ومثيرة للسخرية”.
وترجّح شهرزاد، سبب عدم خشية سرافراز؛ من الدفاع عنها وانتقاد الحرس الثوري من داخل إيران إلى علاقته القوية مع المرشد الأعلى الذي باستطاعته تغيير مجرى الأحداث بكلمة واحدة منه.
امرأة يخشاها الحرس الثوري
ويرى محللون أن تصريحات سرافراز؛ ودفاعه العلني عن امرأة تهدّد الحرس الثوري وشخصيات قيادية بارزة بكشف المستور، دليل على “وجود فجوة عميقة وانقسام بين أجهزة الدولة العليا”.
ويتفادى الحرس الثوري ذكر اسم شهرزاد؛ أو الرد على اتهاماتها؛ بل يطالب مديرها بتقديم دلائل على أقواله.
الفساد
ومن بين التهديدات التي نشرتها شهرزاد، هي “فضح مجتبى خامنئي؛ وأعماله غير القانونية، كتجارة الأسلحة وغيرها من المعدات الذي تدر له أرباحاً هائلة، والتي يودع معظمها في مصارف المملكة المتحدة”، كما تقول.
وقالت في ردّها على سؤال لـ “بي بي سي” عمّا إذا كانت تخشى تعرُّضها للاغتيال أو الخطف: “لا أخشى شيئاً، ولا حتى المخابرات الإيرانية لأنني أملك الحقيقة ونشرتها، وإن حدث لي مكروهٌ، فهم المسؤولون”، في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني ومجتبى خامنئي.
وأضافت: “لم يكن سجني خمس سنوات في الولايات المتحدة بالشيء الذي يُذكر مقارنة بالمتاعب النفسية الهائلة التي سبّبها لي رجال الحرس الثوري”.
تهريب مناظير ليلية من أمريكا للحرس الثوري
تحدثت في مقاطع الفيديو التي نشرتها في مايو الجاري، عن “كيفية استغلال زوجها السابق الذي يعمل مع الحرس الثوري”، لاسمها ومكتبها، وكيف أنه صدّر ثلاثة آلاف خوذة مزوّدة بمناظير ليلية، تستخدم لأغراض عسكرية، إلى الحرس الثوري من الولايات المتحدة عبر النمسا.
وتقول :”كنت ضحية الأعمال الإجرامية التي قام بها زوجي السابق محمود سيف؛ المقرّب من الحرس الثوري ومجتبى؛ والأشرار الذين معهم”.
وأضافت: “دخل مكتبي بالقوة، لم أكن حاضرة وقتها، لكنني علمت لاحقاً أنه أرسل فاكس معاملة تصدير الخوذ من مكتبي، لأتورّط أنا بهذه العملية التي سُجنت في الولايات المتحدة بسببها خمس سنوات”.
وذكرت أن طليقها يحمل جوازات سفر عدة من بينها الجواز السوري، وأضافت: “علمتُ أخيراً أنه قام بعملية تجميلية لتغيير ملامح وجهه”.
قضية الصحفي رضا غولبور
كان الصحفي رضا غولبور؛ “إحدى ضحايا الحقيقة” في قضيتها، إذ تقول إن حسين طائب؛ القيادي المعروف في الحرس الثوري، طلب من غولبور؛ كتابة مقال مسيء لسمعتها، لكن الأخير رفض ذلك واشترط مقابلتها ومحاورتها وجهاً لوجه.
وكانت النتيجة أن كتب مقالاً إيجابياً عنها وانتقد فيه محمود سيف؛ زوجها السابق؛ الأمر الذي أغضب الاستخبارات الإيرانية.
وبعد فترة وجيزة من نشر اللقاء، اعتُقل غولبور؛ بتهمة “التجسس لمصلحة إسرائيل”، وحُكم عليه بالإعدام، وبعد الاستئناف، خُفّض الحكم إلى السجن مدة 25 عاماً.
وعلى الرغم من ذلك، لم يغيّر غولبور؛ موقفه، ولا يزال يناشد كبار المسؤولين في البلاد “الإنصات إلى الحقيقة”.