جاء قرار تنظيم وضبط قطاع التمويل والتقسيط وإيقاف الآلية السابقة التي كان تحت إشراف وزارة التجارة، وإعادة هيكلته ليكون بقبضة مؤسسة النقد؛ في سياق الإصلاحات الاقتصادية وتعديل لوائح الأجهزة الحكومية وخاصة المصرفية والمهتمة بالتمويل.
يأتي ذلك في ظل حساسية هذا القطاع وحجم الأموال التي تدور فيه ومدى شرعيتها وكيف جاء بها المستثمر وهل ستذهب بطريق التمويل الآمن للطرفين المُقرض والمقترض أم سيتم تكبيل وتطويق رقبة الأخير بالفوائد الربوية وتوقيعه أوراقاً غير نظامية لينتهي بهم المطاف موقوف الخدمات أو مسجون!
ويعاني مجال التقسيط مثل غيره من النشاطات التي اقتحمها تجار الشنطة والسماسرة لسنوات يعبثون به كيفما شاؤوا مستغلين حاجات البعض وإقبالهم على شراء السلع المهمة وأحياناً الكماليات ويبيعونها بهامش ربح مرتفع أو حتى رهن البيوت عند الاقتراض الشخصي وفي حال تعثر المستدين يطرد من منزله ويُشرد.
وقد وقع الكثيرون في فخاخ الديون والملاحقة وأُثقلت المحاكم التي تستقبل عشرات الشكاوي من هذا القبيل بل أن جزء كبير من ضحايا إيقاف الخدمات هم ممن زلّت أقدامهم في شراك السوق السوداء للتقسيط المنفلت منذ سنوات والذي تصل أرباحه لمليارات الريالات.
ومن هنا جاء هذا التنظيم مباشرة بعد إلغاء وتعديل وزارة العدل بعض ما يتعلق بـ”إيقاف الخدمات”، وهذا الإجراء مرتبط بتنظيم التقسيط والحد من مساوئه الممتدة على الفرد وأسرته، فمن اشترى سلعةً من هؤلاء قد ينتهي به المطاف مشلول الخدمات مثل المجهول في بلده، وذلك بضغطة زر كانت تحت إمرة القاضي لولا التعديل الأخير الذي فطنت له وزارة العدل بعد تزايد موقوفي الخدمات، ولما فيه من الغبن والتحايل وبيع الدين بالدين.
وستكون للتنظيم ارتداداته فيما يتعلق بالحد من تبييض الأموال؛ حيث إن القرار جاء ليجعل مؤسسة النقد تراقب حركة المال، وبالتالي ضبط ومكافحة غسل الأموال.
ويفيد التنظيم الفرد وقطاع المال والأعمال بإيقاف جشع المُمولين الأفراد وغير المرخصين من مؤسسة النقد وإجبار المرخصين منهم بنسب تمويل معقولة تُؤخذ على مصادر دخل المستهلكين حتى لا تذهب رواتبهم ومدخراتهم تحت تسلط هؤلاء، مثل ما حدث مؤخراً بخصوص دراسة طلب المتقدم للقروض الشخصية على البنوك التجارية لمعرفة كم مرتبة ومقدار الخصومات الشهرية بالتالي ضبط نفقات المستهلك حتى لا يقع في دوامة الأقساط.
ويُعزز القرار خدمة قطاع الأعمال باستحداث قطاع تمويل منظم وشفاف تحت إشراف مؤسسة النقد وتطوير قطاع شركات التمويل بإشراف حكومي ليكون رافداً للتنمية والاقتصاد ويفك احتكار البنوك للتمويل.
وقد تنبّه مجلس الشورى سابقاً لتزايد ضحايا إيقاف الخدمات وأسبابها التي من ضمنها سوق التقسيط المنفلت، فتقدمت الدكتورة إقبال درندري بتوصية نبّهت فيها من خطورة تجار الشنطة وقالت: النظام أتاح لقاضي التنفيذ النظر لممتلكات الفرد وحساباته البنكية ليحدد مدى قدرته المالية، ومن ثم يدرج إيقاف الخدمات أو يعطي فرصة للمدين لتنفيذ الأحكام، ولكن الأغلبية يصدرون أوامر إيقاف الخدمات فوراً من أجل بنك أو شركة تقسيط، مغلباً مصلحة التجار.
وأضافت: هناك تحايل من بعض الأفراد والشركات، حيث تقوم بتوقيع الفرد أو صاحب المؤسسة على سندات أمر غير صحيحة وغير موثقة من جهة رسمية أو تتضمن تحايلات، مما زاد من حالات التعثر والإيقاف وهناك جشع من بعض التجار ومكاتب التقسيط حيث يقومون باستغلال حاجة المواطن وتديينه عن طرق سلع مع رفع ثمنها إلى الضعف، وتكبيله بالفوائد دون رقيب أو رادع لتجاوزاتهم، لينتهي بهم الأمر إلى السجن وإيقاف الخدمات.
وقال أحد المهتمين بالنشاط التمويلي والمصرفي: مؤسسة النقد والبنوك طبقوا التمويل المسؤول، بحيث يخصم من مرتب العميل الالتزامات الشهرية ثم بعد مراجعة صافي الراتب يُستقطع مامقداره ٣٣٪ من الراتب كتمويل شخصي ولايستطيعون تجاوزه.
وأضاف: أما هؤلاء من أرباب التمويل الشخصي ومن يلهون خارج الملعب النظامي فهم يُكبلون العميل بالشيكات والعقود ولو كان مرتبه لا يتجاوز خمسة آلاف لا يترددون بأخذ نصفها كأقساط بلا مراعاة لظروفه الأسرية، لذلك تسببت هذه الممارسات بازدياد أرقام موقوفي الخدمات بالتالي إرباك المحاكم وتدفق القضايا الحقوقية والمالية وصرفها عن أعمالها الأخرى.
وأردف: من طرق هؤلاء وغشهم أنه عندما يتقدم لهم الفرد بطلب مبلغ مادي “قرض” يقوم صاحب معرض ببيعه سيارة بضعف سعرها ويوقعون الأوراق ثم يأتي شخص من دائرتهم ويشتري المركبة بأقل من قيمتها السوقية والمبلغ المحسوب على المقترض ضخم وبفوائد تصل للضعف وهذه جريمة ممنهجة وخطرة.