تعرّض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لموقف مُهين خلال زيارته إلى موسكو يوم 5 مارس 2020م، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر انتظار أردوغان والوفد المرافق له لفترة طويلة، حتى تم السماح لهم بالدخول للقاء الرئيس الروسي.
وقام مركز القرار للدراسات الإعلامية بتحليل الفيديو سيميولوجيًا، وذلك على المستويين التعييني الظاهر، والتضميني الدلالي، وقد أظهرت نتيجة التحليل ما يلي:
أولاً: المستوى التعييني، والذي يستهدف الوصف الأولي الشارح للفيديو، فقد أوضح أن الرئيس التركي أردوغان كان في زيارة مُعدّة ومُرتبة مسبقًا للقاء نظيره الروسي، وضمن الزيارة سيُعقد لقاء قمة يجمع بينهما والوفد المرافق لهما في الوقت والمكان المحددين سلفًا، ولذلك فمن الطبيعي حسب القواعد البروتوكولية والأعراف الدبلوماسية، أن تكون المراسم في البلدين قد هَيّأت كلّ تفاصيل عقد هذا اللقاء، إلا أن الفيديو أظهر انتظار أردوغان والوفد المرافق له لما يَقرب من دقيقتين أمام باب غرفة الاجتماع.
ثانيًا: المستوى التضميني، والذي يهتمّ بالدلالات التضمينية، فقد عكست مشاهد الفيديو ظهور علامات الوجوم على ملامح وجه الرئيس التركي نتيجة هذا الموقف، إلا أنه لم يُظهر هذا الشعور عند لقائه نظيره الروسي، وأظهر الفيديو أيضًا ضجر وملل أردوغان لطول فترة الانتظار، للدرجة التي جعلته يتوجه إلى كرسي مجاور لباب غرفة الاجتماع كي يستريح.
أما عناصر الوفد المرافق لأردوغان فكانت حركاتهم تنمّ عن التوتر، وهو ما أظهرته نظراتهم المتبادلة وقيامهم بتهذيب ملابسهم، فضلاً عن تلصصهم النظرات عبر الفتحة الضيقة لباب غرفة الاجتماع، في انتظار السماح لهم بالدخول.
وكان من الواضح أن الرئيس التركي والوفد المرافق يتملّكهم الاستسلام والطاعة التامة لجميع الإجراءات المتخذة من قِبل الروس، حتى إن الحرس الخاص ببوتين قام بتفتيش حقيبة خاصة بالوفد دون إبداء أيّ اعتراض منهم.
ولم يُسمح لأردوغان ومرافقيه بالدخول إلا بعد إشارة موافقة من الحرس الخاص بالرئيس بوتين، كما كان من اللافت أن الغرفة الملحقة بمكتب بوتين، والتي انتظر بها أردوغان ومرافقوه، كانت مزيّنة بصور لقادة عسكريين، ومنها صورة القائد في الإمبراطورية الروسية ألكسندر سوفوروف الذي قاد الإمبراطورية الروسية في إنزال الهزيمة بالإمبراطورية العثمانية.
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين قالوا إن هذه الصور موجودة بشكل دائم في هذه الغرفة بالكرملين، إلا أنه كان من الكياسة وإبداء الاحترام للضيف – إذا كان مرحبًا به ويلقى التقدير – أن تقوم الرئاسة الروسية بإزالة هذه اللوحات لحين انتهاء الزيارة كلفتةٍ دبلوماسية، إلا أن هذا لم يحدث، وهو ما يشير إلى فتور العلاقة بين البلدين، وتعالي بوتين على نظيره التركي.
وزاد على ذلك ظهور أعضاء الوفد المرافق للرئيس التركي خلال الاجتماع، وخلفهم تمثال للإمبراطورة الروسية كاترين الثانية، التي أبرمت معاهدةً مع الدولة العثمانية سنة 1774م، ضُمَّت القرم بِمُوجبها إلى روسيا، بعد حرب ضروس بين الدولتين.
هذا فضلاً عن الساعة البرونزية التي ظهرت بين الرئيسين، وتجسّد مآثر الجيش الروسي خلال “عبور البلقان” وهزيمة الأتراك في بلغاريا بين عامي 1877-1878م.
وفي موقف قد يُفهم بأنه محاولة إعلامية لتحسين صورة الرئيس التركي بعد الإهانة التي تعرض لها في موسكو، زعمت قناة (Yol TV) التركية أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قال لأردوغان عقب محادثات القمة مع بوتين (أحبك يا طيب) وهو ما نفته الخارجية الروسية.
عكس الفيديو قوة ومكانة كلّ طرف، وأكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يذهب إلى موسكو قويًا، بل مدفوعًا بالحاجة إلى الدعم الروسي في عدد من الملفات، يأتي في مقدمتها الملف السوري، خصوصًا في محافظة إدلب المحاذية للحدود التركية.
كما أنهى هذا الفيديو الصورة الرمزية التي سعى أردوغان ومن خلفه الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين إلى تثبيتها.
فمنذ نشأتها عام 1928، وجماعة الإخوان المسلمين تحاول صنع “رمز” خاص بها، سواء أكان هذا الرمز حدثًا أو شخصًا، وإسباغ الصفات البطولية عليه.
ويُعدّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أحدَ هذه المحاولات، وهو الذي ازدادت أهمية “رمزيته” بعد الإطاحة بحكم الجماعة في مصر عام 2013م، خصوصًا أن أردوغان شخصية تتّسم بالكِبْر والغرور، كما أنه استغل بعض الأحداث للقيام بأفعال استعراضية، تُسهم في رسم وتثبيت صورته كقائد إسلامي قوي، يتعامل مع الغرب بندية ولا يهاب أحدًا، إلا أن هذا الفيديو جاء بمثابة ضربة قاصمة لهذه الصورة، وللأوهام المتعلقة بها.