شكّك مراقبون في حمولة طائرة تركية متوجهة من أنقرة إلى مطار جرجيس جنوب تونس، في ظل الوقائع الموثقة التي أقدمت عليها حكومة إردوغان، في أوقات سابقة، بتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي تنشط في ليبيا، والتصريحات الرسمية التركية بنقل مقاتلين أجانب (مرتزقة) من تشكيلات مسلحة مدرجة على قوائم الإرهاب إلى الأراضي الليبية، بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن قيام حكومة إردوغان، بتهريب الأسلحة الثقيلة والخفيفة في خرق لقرارات الأمم المتحدة ومؤتمر برلين، وجهود المجتمع الدولي الداعية إلى وقف إطلاق النار.
يأتي هذا فيما قالت الرئاسة التونسية، اليوم الجمعة، وفق وكالة رويترز إنها “سمحت لطائرة تركية محملة بمساعدات طبية بأن تهبط في مطار جرجيس في جنوب البلاد لتوصيلها إلى ليبيا بواسطة السلطات التونسية”، وقالت تونس، إنها “اشترطت أن تسلم قوات الجمارك والأمن التونسية المساعدات إلى الجانب الليبي في معبر رأس الجدير الحدودي”، ولم يذكر بيان الرئاسة تفاصيل إضافية.
ويرجّح مراقبون قيام حكومة إردوغان بمواصلة جهودها في تغذية الصراع في منطقة غرب ليبيا الواقعة تحت سيطر ميليشيات تابعة لرجل أنقرة والدوحة في ليبيا، فايز السراج، وحذر المراقبون من احتمال أن تشمل الشحنة موادّ الاستخدام المزدوج التي يجرى الاستفادة منها في متفجرات وأسلحة كيميائية على غرار ما تم في سوريا، وسط تأكيدات بأن الشحنة سيتم تسليمها إلى ممثلي “الوفاق”، التي تلقى دعمًا عسكريًّا من تركيا.
اقتصاديًّا، يحاول إردوغان الهروب من الواقع المر في الداخل، بعدما تراجعت الليرة التركية إلى مستويات منخفضة قياسية مع تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وفي أحدث تعاملاتها أمام الدولار، تراجعت العملة التركية بنحو 1.1% إلى مستويات 7.15 ليرة للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى إغلاق على الإطلاق في الوقت الذي فقدت به العملة المحلية للبلاد نحو خمس قيمتها هذا العام، وفقًا لما ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وسحبت تركيا نحو 19 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي لديها لوقف هبوط الليرة من خلال عمليات شراء مكثّفة بهدف رفع الضغوط عنها، ما تسبب في هبوط الاحتياطي الأجنبي للبلاد إلى مستويات 56 مليار دولار، ولكن صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت إن وتيرة الهبوط قد تكون أكبر مما تم الإعلان عنه من قبل السلطات التركية.
وقبيل انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في تركيا، كان الاقتصاد يئنّ بالأساس مع ارتفاع مستويات التضخم ومستويات نمو ضعيفة، ثم جاءت أزمة كورونا لتزيد الطين بلة مع توقف شبه تام للقطاع السياحي في بلد تمثل فيه السياحة أحد أهم أركانه خاصة تلك القادمة من أوروبا والتي تحولت إلى مركز للوباء بعد إعلان الصين تمكنها من التغلب على كورونا.
وفي خضمّ الأزمة الطاحنة التي يمر بها الاقتصاد التركي، سعت أنقرة نحو تأمين الدولار اللازم للبنك المركزي من خلال محادثات مع مسؤولين أمريكيين حول إمكانية إتاحة خطوط لمبادلة العملة من قبل الفيدرالي الأمريكي، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤول تركي ودبلوماسي أمريكي رفيع المستوى. وفقًا لما نقلته “العربية نت”.
وبحسب «وول ستريت جورنال» فإن الكثير من الاحتياطات الأجنبية للمركزي التركي تأتي من الدولارات التي يقوم البنك باقتراضها من البنوك المحلية، ما يعني أن المركزي التركي يدين بكثير من العملة الصعبة إلى تلك البنوك.
وقد يعني هذا الأمر، أن المركزي التركي يدين لتلك البنوك بما يزيد عن الاحتياطات المتوفرة لديها ما يمثل وجها آخر للأزمة الاقتصادية في تركيا وهي القطاع المصرفي، بحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن زميل الدراسة لدى مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك براد سيستر.
ويمثل الهبوط الحادّ لليرة والتراجع الحادّ للاحتياطات الأجنبية في البلاد خطرًا داهمًا على تلك الديون مع أزمة تعثر تلوح في الأفق إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، ويقول كبير محللي الأسواق الناشئة لدى SEB Markets للصحيفة، إن خيارات المركزي التركي تكاد تكون محدودة، ويضيف بير هاميرلند للصحيفة: “الثقة في المركزي التركي اختفت على نحو سريع.. نعلم جيدًا أن النقد ينفد منهم مع نزيف الاحتياطات”.
وفي تقرير لمعهد التمويل الدولي الشهر الماضي، أشار المعهد إلى تلاعب المركزي التركي في أسواق الصرف من خلال تقديم الدعم الليرة في مارس مع عودة ظاهرة الخوف من التعويم أو التعويم القذر إلى الأسواق الناشئة، ويشير مصطلح التعويم القذر إلى ادّعاء البنوك المركزية عدم التدخل في أسواق الصرف، وبأن العملة لديها تتداول على نحو حر في وقت تتدخل به البنوك بالخفاء لدعم عملتها المحلية.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتدخل فيها المركزي التركي لدعم عملته، إذ سبق للبنك القيام بالتدخل على نطاق واسع في الفترة ما بين 2014-2015 للدفاع عن الليرة، وفقًا لما نقلته “العربية نت” يقول المعهد في المذكرة ،” وتيرة التراجع في الليرة التركية خلال مارس لم تكن بنفس الوتيرة التي شهدتها عملات الأسواق الناشئة الأخرى على الرغم من هبوط الاحتياطات، وهو ما يشير هنا إلى احتمالية تدخل المركزي لدعم العملة”.
وجاء هذا التراجع بعد يوم واحد من إعلان البنك المركزي التركي التوقعات المعدلة لمعدل التضخم في البلاد وخفضها إلى 4ر7%.
وهذا الانخفاض المتوقع في معدل التضخم يُمهد الطريق أمام خفض جديد للفائدة التركية، وهو ما يحذر منه المحللون؛ لأنه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التراجع لسعر العملة المحلية. ويعتبر سعر 7 ليرات لكل دولار حاجزًا نفسيًّا في تركيا.
يُشار إلى أن العملة التركية سجّلت انخفاضًا قياسيًّا إلى 08ر7 ليرة/ دولار في أغسطس 2018؛ عندما نشب نزاع دبلوماسي وتجاري بين أنقرة وواشنطن، وفقدت العملة التركية على إثره نحو 40% من قيمتها.