أدانت الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي بشدة قيام مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، بإعادة طبع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعدّته مظهراً من مظاهر الكراهيَة والقولبة النمطية السخيفة المستهدفة، فضلاً عن أنه يشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقالت في بيان لها اليوم: “تعرب الهيئة عن بالغ قلقها إزاء هذا الإجراء المروع، الذي تم تنفيذه بدافع القولبة النمطية والاستهزاء بأعظم شخصية في الإسلام، الذي يحظى بحب واحترام وتبجيل المسلمين حول العالم، وتعبر عن أسفها جراء التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها كبار الموظفين في بعض الدول، تأييداً لما يسمى بــ”الحق في حرية التشهير والإهانة”، وذلك إعراباً عن تضامنهم مع المجلة في نشرها لمواد تجديفية، لا صلة لها بالحق في حرية التعبير.
وأضافت أنه “بينما يشكل النقد البناء جزءاً مشروعاً من حرية التعبير، فتعدّ السخرية المطلقة، والإهانة والقولبة النمطية والتشهير، بشكل مباشر؛ تحريضاً على الكراهية والتمييز والعنف، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تصرح المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنه حق غير مطلق، بل وتخضع ممارستها لواجبات خاصة وما يقابلها من مسؤوليات، تقوم على مبدأ تجنب إلحاق الضرر بالآخرين؛ وذلك من أجل ضمان ضرورة التماسك المجتمعي، بما في ذلك واجب الدولة القانوني في حظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تحرض على التمييز، أو العداء أو العنف”.
وذكّرت الهيئة بالخطوة التي اتخذها العالم الإسلامي بأسره تجاه حادثة “شارلي إيبدو” بإدانته الهجوم العنيف على مقر المجلة في عام 2015، حيث شملت الضحايا، إلى جانب أشخاص أبرياء آخرين، رجلاً مسلماً من ضباط الشرطة، ضحى بحياته دفاعاً عن المبنى ضد المهاجمين، فيما اعترف المجتمع الدولي، بأغلبية ساحقة، بعدم وجود علاقة بين الهجمات والإسلام أو أي دين آخر.
وشددت الهيئة على أن البشرية تحتاج في هذه الأوقات العصيبة التي تواجه العالم بسبب استمرار الجائحة، إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق التضامن والتسامح واحترام التنوع الثقافي والديني وتعزيز الحوار على جميع المستويات، دون هذه التصريحات التي ترد إلى الكراهية والحقد، التي ليس من شأنها سوى تعزيز قوة المتطرفين في استغلال كل جوانب الفجوة الثقافية، مما يغذي بذور الكراهية العنصرية والدينية، والتمييز؛ وهو شيء يتعارض تماما مع المثل الأعلى للتعددية الثقافية.
وحثت الهيئة، الأمة الإسلامية على ضبط النفس واستنفاد سبل الانتصاف القانونية المحلية والدولية المتاحة للتصدي لخطاب الكراهية، داعية وسائل الإعلام إلى التقيد بمعايير الصحافة المسؤولة؛ وتجنب القولبة النمطية، والتحريض على الكراهية ضد المجتمعات المسلمة المسالمة؛ وتعزيز احترام التنوع والحساسيات الدينية، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بالشرائح التي تعد مهمة في بناء مجتمعات تعددية، مسالمة، وأكثر شمولاً للجميع.
كما دعت الدول كافة إلى ضرورة تنفيذ خطة العمل الخاصة بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/ 18، المعترف به عالمياً، بغية مكافحة التعصب الديني والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن العتبة التي تجيز تقييد حرية التعبير، وخاصة عندما تتحول إلى تحريض على الكراهية والتمييز، أو العنف، مع المطالبة بتجريم هذا الانحراف، وذلك عملاً بأحكام المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.