وجد نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نفسه مجبرًا على القيام بتحولات سياسية استراتيجية، في الوقت الحالي، حتى يتجاوب مع انتخاب جو بايدن رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة.
وبمغادرة ترامب البيت الأبيض، سيكون أردوغان فقد واحدًا من أبرز حلفائه. وتبعًا لذلك، سيتعامل مع رئيس وإدارة أمريكية لا تكن أي ود لأردوغان وحزبه وسلوكياته الاستراتيجية، داخليًّا وخارجيًّا، حسب تصريحات رسمية لبايدن خلال شهر سبتمبر الماضي، أثناء حملته الانتخابية، حسبما ذكرت «سكاي نيوز».
ويشكل الملف الكردي واحدًا من أكثر الأمور التي تثير خشية أردوغان تجاه سياسات بايدن وإدارته المتوقعة بشأن منطقة الشرق الأوسط.
وعُرف بايدن تقليديًّا بتعاطفه وتأييده القوى السياسية الكردية في العراق، منذ أن كان عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي، أثناء حرب الخليج الأولى، ثم لاحقًا خلال شغله منصب نائب الرئيس الأمريكي (2009-2017).
وعندما سيتولى بايدن رئاسة الولايات المتحدة، سيتعامل على الأرجح مع أطراف كردية خارج العراق، في كل من سوريا وتركيا، وهي أطراف تمس توجهات واستراتيجيات الرئيس أردوغان.
وفي الداخل التركي، سيتعامل بايدن مع حزب «الشعوب الديمقراطية» المؤيد للأكراد في تركيا، الذي يُعد ثاني أحزاب المعارضة التركية من حيث عدد أعضاء البرلمان.
وبايدن الذي أثار مسألة الإطاحة بأردوغان من خلال دعم قوى المعارضة التركية، ربما يتجه إلى المساعدة في خلق توافق سياسي بين حزب الشعوب الديمقراطية «الكردي» وبين حزب الشعب الجمهوري «الأتاتوركي» حزب المعارضة الرئيسي.
ويبدو أردوغان متأكدًا من أن التلاقي بين الحزبين لن يحدث إلا بضغوط ورعاية دولة مثل الولايات المتحدة، وما قد تقدمه من ضمانات لمستقبل تركيا، وهذا مصدر قلق كبير بالنسبة له.
في سوريا، سيضغط بايدن على أردوغان في مستويين متوازيين؛ إذ سيزيد التعاون والاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يملك فيها الأكراد السوريون نفوذًا رئيسيًّا، وهو أمر يعني في نهاية المطاف حصول الأكراد السوريين على مساحة للحكم الذاتية في مناطقهم الحدودية مع تركيا.
أما عسكريًّا، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ستزيد من دعمها لقوات «سوريا الديمقراطية» التي تعتبرها شريكتها الرئيسية في محاربة الإرهاب، وهو ما سيمنع أي اندفاع تركي جديد لمحاولة احتلال المزيد من الأراضي في شمال شرق سوريا كما فعلت من قبل في مناطق عفرين ورأس العين، بضوء أخضر من إدارة الرئيس ترامب.
وقال القائد العام لقوات «سوريا الديمقراطية» الجنرال مظلوم عبدي، في مقابلة صحفية: «متفائلون بشأن الإدارة الجديدة.. في الواقع، إنها ليست جديدة بالنسبة لنا.. عندما بدأنا القتال ضد داعش مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، كان هذا الفريق موجودًا إلى حد كبير، ولأنهم كانوا وقتها في مواقعهم الحساسة فهم يدركون تعقيدات المنطقة».
وأضاف مظلوم: «أعتقد أنهم سيتبعون سياسة أكثر واقعية في روج آفا (كردستان سوريا).. بالنسبة إلى توقعاتنا، يجب أن ننهي بنجاح المعركة ضد الإرهاب التي نخوضها معًا.. لا نزال نعتبر داعش بمنزلة تهديد.. لديهم معسكرات في مناطق سيطرة النظام.. لديهم مخيمات عبر الحدود، في صحراء العراق.. ليس لديهم مشاكل مالية.. إنهم قادرون على إيجاد المال، وليس لديهم مشكلة في تجنيد المقاتلين أو تدريبهم.. إنهم قادرون على نشرهم في كل مكان.. لديهم شبكة من المتعاطفين».
في السياق ذاته، قال الكاتب الأمريكي والمحلل السياسي والدبلوماسي السابق بيتر جالبريث، في تصريحات لشبكة «روداو» الإعلامية الكردية: «إن الأكراد سيستفيدون أكثر من رئاسة جو بايدن؛ فسلوك الرئيس الأسبق دونالد ترامب كان ضارًّا جدًّا بالأكراد.. لقد أعطى أردوغان الضوء الأخضر لمهاجمة شمال شرق سوريا».
وتابع الدبلوماسي الأمريكي: «نصيحتي هي الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.. سيكون الأكراد في وضع أفضل بكثير مع بايدن رئيسًا».
من ناحيته، نشر موقع The Arab Weekly تقريرًا تفصيليًّا عن تأثيرات الإدارة الأمريكية الجديدة على خيارات تركيا الاستراتيجية، وربط ذلك بالتوجهات الكردية المتوقعة للإدارة الجديدة، قائلًا: «الدولة التي ستكون أكثر استياءً من فوز بايدن بلا شك هي تركيا، التي ظل رئيسها رجب طيب أردوغان على علاقة جيدة نسبيًّا مع الرئيس ترامب، لكن علاقته مع نائب الرئيس السابق كانت دومًا متوترة».
وغالبًا ما أغضب بايدن الحكومة التركية بتسليط الضوء على قمعها حرية التعبير، وبتعبيره عن دعمه الحركات القومية الكردية التي وصفها أردوغان بأنها جماعات «إرهابية» وعمل بلا كلل لسحقها.