عندما منّ الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بفتح مكة المكرمة في العام الثامن للهجرة، توجه النبي الكريم إلى المسجد الحرام وأمر بإخراج كل ما فيه من أوثان وأزلام، ثم دخل الكعبة المشرفة وقام بغسلها وتطهيرها من رجس الأصنام، وسار الخلفاء الراشدون والمسلمون من بعدهم على هديه صلى الله عليه وسلم.
واتبع قادة المملكة هذه السنة اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمةً للبيت العتيق.. حيث جرت العادة في العهد السعودي أن تُغسل الكعبة مرتين سنوياً في بداية السنة الهجرية وفي شهر شعبان استعداداً لموسم العمرة، إلا أن رئاسة الحرمين ارتأت قبل بضع سنوات الاكتفاء بغسل الكعبة مرة واحدة في السنة في شهر المحرم مراعاة للمشاريع القائمة والتوسعات المباركة، وحفاظا على سلامة رواد بيت الله الحرام والتيسير عليهم في أداء نسكهم.
وتشرف قادة هذه الدولة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن –طيب الله ثراه- بهذه المهمة الجليلة، غسل الكعبة المشرفة.
ففي وقت مبكر من صباح اليوم تشرف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بغسل الكعبة المشرفة نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي أدى هذا الشرف من قبل، وسبقه في ذلك الملك عبد الله والملك فهد والملك خالد والملك فيصل والملك سعود –رحمهم الله-.
مراسم الغسل
تبدأ مراسم غسل الكعبة المشرفة بطواف المشاركين في عملية الغسل حول الكعبة سبعة أشواط، واستلام الحجر الأسود، ثم أداء ركعتي الطواف، بعد ذلك يفتح كبير سدنة بيت الله الحرام باب الكعبة، ويصلي مَن ينوب عن خادم الحرمين الشريفين في المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تبدأ مرحلة الغسل، بخلطة من ماء زمزم، والورد الطائفي، والعود الفاخر.. وعادةً يُغسل جدار الكعبة من الداخل بـ45 لتراً من ماء زمزم، و50 تولة من الورد الطائفي والعود الكمبودي الفاخر.
الملك عبد العزيز
شهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بحضور أبنائه الأمراء وعدد من المسؤولين والقضاة إضافةً لعدد من حجاج بيت الله الحرام، الاحتفال بغسل الكعبة المشرفة، وذلك أثناء موسم الحج، حيث يوثق مقطع فيديو الملك عبدالعزيز وهو يدخل إلى الكعبة المشرفة ليتشرف بغسلها، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الملك سعود
حرص الملك سعود، متبعاً سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومقتدياً بوالده المؤسس، على غسل الكعبة المشرفة بنفسه، وأظهرت صور نادرة الملك سعود وهو يشارك والده غسل الكعبة سنة 1357ه الموافق 1938م.
الملك فيصل
وجرت عادة الملك فيصل –رحمه الله- بالتشرف بغسل الكعبة المشرفة بنفسه سنوياً، حيث وثق تقرير تلفزيوني بثته قناة مركز الملك فيصل الإسلامي على “يوتيوب” الملك فيصل وقد توجه في صباح السابع من ذي الحجة عام 1390ه الموافق 2 فبراير 1970م إلى الكعبة المشرفة وتشرف بغسلها وأداء ركعتي السنة اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بالتزامن مع انطلاق موسم الحج وتوافد الحجيج من كافة أصقاع الأرض لأداء الفريضة.
شهد عهد الملك خالد عناية بالحرمين الشريفين وبالأخص الكعبة المشرفة، حيث تم تغيير باب الكعبة بباب جديد مصنوع من الذهب الخالص، كما تم افتتاح مصنع كسوة الكعبة، واستمراراً لهذا النهج حرص الملك خالد على غسل الكعبة المشرفة بنفسه، حيث يظهر تقرير تلفزيوني في موسم الحج سنة 1401ه الملك خالد يرافقه عدد من الأمراء والوزراء، حيث يفد إلى الكعبة المشرفة ويتشرف بغسلها.
إبّان عهد الملك فهد بن عبد العزيز استمرت عناية الدولة بالمسجد الحرام، وهو –رحمه الله- الذي أمر بترميم الكعبة المشرفة بشكل كامل من الداخل والخارج سنة 1417ه الموافق 1996م بعدما لُوحظ بدء التلف في بعض أجزائها… وكان يحرص –رحمه الله- منذ كان أميراً على غسل الكعبة المشرفة لنيل هذا الشرف العظيم اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الملك عبد الله
واصلت الدولة السعودية جهودها في خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالكعبة المشرفة، في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي شهد التوسعة السعودية الثالثة التي استوعبت مئات الآلاف من المصلين والمعتمرين والزوار، وفي هذا السياق كان يحرص الملك عبد الله –رحمه الله- على غسل الكعبة المشرفة، وزار رفقة رؤساء الدول الإسلامية الكعبة المشرفة، وذلك على هامش مؤتمر الدول الإسلامية الذي أُقيم في مكة المكرمة عام 1426هـ الموافق 2005م.
الملك سلمان
ويشهد العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عناية فائقة بالحرمين الشريفين وقاصديهما، حيث قام الملك سلمان بزيارة للمسجد الحرام منتصف عام 2015، فتوجه خادم الحرمين الشريفين إلى داخل الكعبة المشرفة وأدى ركعتي السنة وتشرف بغسل الكعبة، ثم تفقد المرحلة الثالثة لمشروع رفع الطاقة الاستيعابية للمطاف، واطلع على سير الإنجاز في مشروع توسعة الحرم المكي.
ودأب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، على غسل الكعبة المشرفة عدة مرات، نيابةً عن الملك عبد الله بن عبد العزيز ثم عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ويعد قيامه بغسل الكعبة سنة 2020 علامة فارقة في تاريخ غسل الكعبة المشرفة، حيث ذروة انتشار فيروس كورونا، حيث تمت مراسم غسل الكعبة في ظل التقيد بالإجراءات الاحترازية المشددة.