تتميز العلاقات بين المملكة وجمهورية ألمانيا الاتحادية بجذورها الضاربة في التاريخ، والتى تعود لأكثر من 93 عامًا، إذ وقع الملك عبدالعزيز اتفاقية الصداقة بين البلدين عام 1929م، وفي عام 1938 عين الدكتور جروبا السفير الألماني في بغداد أول ممثل لألمانيا غير مقيم في المملكة.
وقررت المملكة عام 1954م استعادت العلاقات بعد حصول جمهورية ألمانيا الاتحادية على سيادتها بعد الحرب العالمية الثانية، ولعب الحوار القائم بين البلدين دوراً في تقريب وجهات النظر والرؤى تجاه العديد من القضايا الثنائية وذات الاهتمام المشترك.
تطور العلاقات
وشهدت العلاقات الثنائية تطورات ملموسة، أكدها التواصل المستمر واللقاءات بين قيادتي ومسؤولي البلدين، والتي كان أبرزها لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مع المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، على هامش مؤتمر القمة العربية الألمانية بشرم الشيخ في فبراير 2019م، كما جرى اتصال هاتفي بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمستشار الألماني أولاف شولتس في 16 أغسطس الماضي.
وأسهمت اللقاءات على المستوى الوزاري في تعزيز العلاقات الثنائية، كلقاء وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله مع نظيره الألماني هايكو ماس على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين في اليابان في 24 نوفمبر 2019م، وزيارة وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز إلى برلين في مايو 2021م، ونجاح انعقاد اللجنة السعودية الألمانية المشتركة في برلين برئاسة وزير المالية محمد الجدعان ووزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير في 17 ديسمبر 2019م.
وعُقدت لقاءات وأنشطة بين مسؤولي البلدين، كجولة المشاورات السياسية التي عقدت في الرياض في 30 يناير 2019م، برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، ومشاركة سكرتير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية أندرياس ميشائيليس، وكذلك لقائه بعضو البرلمان الألماني نيلس آنن في 25 نوفمبر 2020م.
وتدعم المملكة وألمانيا رئاسة إندونيسيا لمجموعة العشرين لهذا العام 2022م، تحت شعار “نتعافى معاً، نتعافى بشكلٍ أقوى”، ويأتي تعاون البلدين كأعضاء في المجموعة لإنجاح برنامج الرئاسة الإندونيسية لهذا العام.
الشراكة الاقتصادية
وتعد المملكة ثاني أهم شريك تجاري لألمانيا في العالم العربي بعد الإمارات العربية المتحدة، كما أن ألمانيا هي رابع أكبر مورد للمملكة، وتحتل المملكة المرتبة الثامنة والثلاثين من حيث أهميتها كشريك تجاري لألمانيا في عام 2021م، والمرتبة الثانية لمستوردي السلع الألمانية من العالم العربي بعد الإمارات، بواردات تبلغ (4107,13) مليون يورو.
ويميل ميزان التبادل التجاري بين البلدين لمصلحة ألمانيا، وتبلغ الصادرات السعودية لألمانيا (816,84 مليون يورو). ويبدي المسؤولون والبرلمانيون الألمان إعجاباً واضحاً برؤية المملكة 2030، حيث يحرصون على المشاركة في فعاليات وبرامج الرؤية خصوصاً في المجالات الثقافية والاقتصادية والاستثمارية.
وتأسست لجنة للتعاون المشترك بين المملكة وألمانيا في المجال الاقتصادي والتقني في العام 1977م، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات، لا سيما الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والعلمية، والتقنية، والزراعية، والسياحية، والصحية، ورفع كفاءة الطاقة، وتعزيز كفاءة الموارد، وحماية البيئة والحد من التغير المناخي.
وتتمثل المهام الرئيسة للجنة التعاون المشترك في تشجيع الشركات في القطاعين العام والخاص على التعاون في مجالات التجارة والاستثمار.
ويعقد البلدان دورياً منتدى الأعمال السعودي – الألماني، والذي يهدف إلى تقوية وزيادة التبادل التجاري، في ظل وجود إمكانات كبرى لزيادته، فلدى المملكة وألمانيا العديد من القواسم المشتركة.
الاستثمار الصناعي
وتستضيف الهيئة السعودية للمدن الصناعية “مدن” مصانع لمستثمرين ألمان مع شركاء سعوديين، ويصل عددها اليوم إلى 4 مصانع تتوزع بين المدينة الصناعية الثانية بالرياض، والثانية بالدمام، والصناعية الأولى في جدة، وتعمل هذه المصانع في مجالات متنوعة، مثل: صناعة المنتجات النفطية، وصناعات المواد العناية الشخصية، وغيرها.
ويوجد عدد من الاستثمارات الألمانية في مدن الهيئة الملكية للجبيل وينبع عبر نحو 8 شركات، وتتراوح نسبة الشراكة السعودية في تلك الشركات ما بين 30% إلى 78%، ويبلغ مجموع الاستثمارات فيها ما يقارب (310) ملايين دولار، كما تبلغ مساهمة الصندوق الصناعي في تمويل المشروعات المشتركة مع ألمانيا ما قيمته مليار و (105) ملايين دولار لعدد 22 مشروعاً.
التبادل التجاري
وسجلت صادرات المملكة إلى ألمانيا في العام 2021 ارتفاعاً بنسبة 19.9% على أساس سنوي، إذ بلغت نحو (108) ملايين دولار من الصادرات النفطية، و (430) مليون دولار من الصادرات غير النفطية، كما سجلت واردات المملكة من ألمانيا لعام 2021 ارتفاعاً بنسبة 4.6% مقارنة بالعام السابق، وبلغت نحو (7.491) مليون دولار، ويعود ذلك إلى عودة الأنشطة الاقتصادية، وسجّل الميزان التجاري في العام 2021 تفوقاً لصالح ألمانيا بلغ نحو (6.954) مليون دولار.
وتصدر المملكة نحو (255) مليون دولار من البتروكيماويات إلى ألمانيا، وتعد المواد البتروكيميائية والأسمدة الصناعية من أهم الصادرات السعودية إلى ألمانيا، وتشكل حوالي 25% من قيمة الصادرات السعودية إلى ألمانيا، فيما تقدر قيمة واردات ألمانيا الإجمالية من البتروكيماويات نحو (54) مليار دولار، وتعمل المملكة على تطوير سعات البتروكيماويات محلياً وعالمياً لكامل سلسلة القيمة متضمنة البتروكيماويات الأساسية والوسيطة والتحويلية والمتخصصة.
وتخطى إجمالي الواردات الدوائية للمملكة من ألمانيا في العام الماضي 2021 قرابة (700) مليون دولار، وتتركز في مجالات الأدوية، اللقاحات والأمصال، والأدوات والأجهزة الطبية، وتعد شركة (ميرك سورتو) ثالث أكبر شركة ألمانية تستثمر في المملكة، وهي مختصة بالصناعات الدوائية، وقد افتتحت مكتباً لها في جدة بالعام 2011، وتعمل في المملكة أكبر مجموعة من المستشفيات الخاصة (مجموعة مستشفيات السعودي الألماني) بأكثر من 11 منشأة و8 آلاف موظف وتعالج في كل عام ما يزيد على مليوني مريض.
قطاع الطاقة
وقعت المملكة وألمانيا في مارس 2021 مذكرة تعاون في مجال الهيدروجين، وتم تفعيل بنود المذكرة من خلال خارطة طريق قائمة على ثلاثة محاور رئيسة، هي: السياسات، والتقنيات، والأعمال، ويعمل المختصون من الجانبين على تحديد أوجه التعاون لتطوير التقنيات فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين النظيف وتخزينه، وتبادل الخبرات والتجارب لتطبيق أفضل الممارسات في مجال مشروعات الهيدروجين.
المعرفة والتكنولوجيا
وتسعى المملكة للاستفادة من تجربة ألمانيا في الوصول للمركز التاسع عالميًا في مقياس (Global AI Index)، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة منظومة الطاقة، مثل: زيادة كفاءة أنظمة الطاقة والمساعدة في تقليل الانبعاثات، وكذلك الاستفادة من التجارب الألمانية في كونها المركز العاشر في سلم الابتكار العالمي والثامن في سلم الابتكار العالمي للطاقة.