أكد صندوق النقد الدولي، أن المساهمة النفطية في مختلف قطاعات الاقتصاد السعودي آخذة في الانحسار، متوقعا أن يحافظ نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي على زخمه القوي مع بلوغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي 4.9 في المائة في عام 2023، ومواصلة ارتفاعه في عام 2024.
وبين أن المملكة أحرزت تقدما على مسار تنويع اقتصادها من خلال تقليل اعتمادها على النفط، كما أن الإيرادات غير النفطية زادت إلى الضعف، متوقعا أن تظل حسابات المالية العامة في مستوى قريب من التوازن في الأجل المتوسط.
وأشار الصندوق إلى أن مسيرة التحول الاقتصادي في السعودية تمضي بخطى متسارعة، خاصة منذ بدء تنفيذ خطة الإصلاح في ظل رؤية السعودية 2030 في عام 2016، رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي اقترن بجائحة كوفيد – 19، فضلا عن التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وتشديد الأوضاع المالية العالمية، إذ تعد هذه العوامل محدودة على الاقتصاد السعودي.
ولفت في ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2023 مع المملكة، إلى أن السعودية الأسرع نموا بين اقتصادات مجموعة العشرين، إذ بلغ النمو 8.7 في المائة مقارنة بالعام السابق بفضل زيادة إنتاج النفط الخام بنسبة قدرها 16 في المائة وزيادة النمو غير النفطي بنسبة 4.8 في المائة مقارنة بالعام السابق.
وأوضح أن الحفاظ على زخم الإصلاحات -بغض النظر عن مستوى أسعار النفط- عامل مهم في تحقيق النمو الشامل وتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود.
وبين أن ارتفاع مستويات الاستهلاك الخاص مدفوعة بصورة كبيرة بالاستثمارات الخاصة غير النفطية التي ارتفعت بنسبة 45 في المائة، وسط تسارع وتيرة تنفيذ عدة مشاريع عملاقة.
وألمح إلى انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي، نتيجة للنمو الملحوظ في الاقتصاد، إذ انخفض إلى 8 في المائة في عام 2022، فضلا عن تراجع معدل بطالة الشباب إلى النصف مسجلا 16.8 في المائة في عام 2022 مقارنة بمستواه أثناء الجائحة.
وأشاد بالمبادرات الفعالة لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، إذ وصلت إلى 37 في المائة متجاوزة نسبة 30 في المائة المستهدفة ضمن رؤية السعودية 2030.
احتواء معدلات التضخم
تطرق الصندوق إلى الجهود لاحتواء معدلات التضخم السنوي لعام 2022 عند 2.5 في المائة، رغم بلوغ معدلات التضخم العالمية مستويات مرتفعة، مشيرا إلى أن احتواء التضخم كان بفضل الدعم المحلي وفرض حدود قصوى لأسعار عدد من المنتجات.
وبين أن متوسط مؤشر أسعار المستهلكين الرئيس بلغ 2.5 في المائة في عام 2022، لافتا إلى أنه على الرغم من ارتفاع متوسط المؤشر في أوائل عام 2023 إلى 3.4 في المائة، إلا أنه انخفض مرة أخرى إلى 2.8 في المائة في مايو 2023.
وبحسب الصندوق، تشهد الأنشطة الاقتصادية انتعاشا قويا مدعوما بالإصلاحات التي تمت في إطار رؤية السعودية 2030، مبينا أن النظام المصرفي في المملكة يواصل تقدمه القوي مرتكزا على الجهود المستمرة لتحديث الأطر التنظيمية والرقابية، إذ تتسم نسبة كفاية رأس المال الإجمالية بالقوة ومستوى الربحية المرتفع، كما أن نسبة القروض المتعثرة منخفضة.
وأوضح صندوق النقد أن ربط سعر الصرف بالدولار ملائم ويخدم اقتصاد السعودية، وهو النظام الأنسب من أجل دعم الاستقرار النقدي، مؤكدا أن أثر زيادة تشديد السياسات النقدية على البنوك محدود.
وذكر أن ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط سيسمح للسعودية بالاحتفاظ باحتياطيات وقائية أكثر قوة وتلبية احتياجات تحقيق العدالة بين الأجيال وتخفيف حدة المخاطر الناجمة عن تقلب أسعار النفط.
وأكد أن رفع وكالات التصنيف الائتماني العالمية درجة التصنيف الائتماني السيادي للمملكة، إقرار منها باستمرار زخم الإصلاح الذي سيعزز فرص وصول المملكة إلى الأسواق العالمية.
احتياطات وقائية
أكد الصندوق أن المركز الخارجي للمملكة يفوق بقوة كبيرة المستوى الذي تقتضيه الأساسيات الاقتصادية على المدى المتوسط، بينما لا تزال الاحتياطيات الوقائية أعلى بكثير من مستوى الحد الأدنى المحدد بموجب مقياس “تقييم كفاية الاحتياطيات”.
وأوضح أن الإصلاحات المعززة للتنافسية وبرنامج الاستثمارات الكبير، بما فيها استثمارات صندوق الاستثمارات العامة، تساعد على مواءمة المركز الخارجي مع الأساسيات الاقتصادية على المدى المتوسط، بينما سيؤدي تنفيذ إطار للمالية العامة متوسط الأجل إلى دعم الضبط المالي.
ورحب بالإصلاحات الكبيرة الجاري تنفيذها في إطار برنامج استدامة المالية العامة، حيث أشاد بالتقدم الملحوظ على صعيد شفافية المالية العامة من خلال “بيان الميزانية” الموسع وزيادة معدل دورية التقارير.
أكد أن التطورات الرقمية القوية في السعودية أدت إلى النهوض بمستوى الشمول المالي، وصلابة القطاع المالي، وتعزيز فاعلية القطاع الحكومي.
ورحب بقيام البنك المركزي السعودي بعمليات التفتيش الميدانية الموضوعية للبنوك، التي تركز على محافظ قروض الشركات والقروض العقارية، مرجحا أن تتخذ التوقعات على المدى القريب مسارا إيجابيا، مع توازن المخاطر إلى حد كبير.
وأكد تماشي جهود الحكومة السعودية في إعداد تقارير داخلية ربع سنوية وسنوية حول المخاطر المالية الكلية لمتابعة المخاطر، وفق أفضل الممارسات الدولية.
ورحب بالجهود المبذولة في رفع كفاءة الاستثمار، من خلال فاعلية اختيار وتقييم المشاريع، في ظل تعزيز موارد الاستثمارات من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص والقنوات الواقعة خارج نطاق عملية إعداد الميزانية التقليدية.
أشاد بالتحول المقترح إلى إعداد الميزانية على أساس الاستحقاق، مشيرا إلى أنه سيسمح بدقة تقدير المركز المالي.
مستويات الدين لا تزال منخفضة
أوضح الصندوق أن مستوى الدين العام، لا يزال منخفضا عند 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن التقديرات تشير إلى إمكانية إبقائه عند هذا الحد المقبول، موضحا أن السيناريوهات تشير إلى انخفاض المخاطر الكلية للضغوط السيادية، مع توافر احتياطيات وقائية يمكنها دعم فترات من العجز في المالية العامة.
وأشاد باستراتيجية الحكومة للاقتراض بوضعها هدفا يسمح بإطالة آجال استحقاق الديون، وخفض تكاليف إعادة التمويل، وإنشاء منحنى عائد في الأسواق المحلية والدولية.
وتوقع أن يسهم نظام الاستثمار الجديد في توفير بيئة تقوم على تكافؤ الفرص للمستثمرين السعوديين وغير السعوديين عن طريق حماية حقوق المستثمرين والالتزام بالشفافية.
ونوه بتطبيق الأنظمة الأخيرة (مثل نظام المحاكم التجارية، وإطار الإعسار) في حماية حقوق المستثمرين، بما في ذلك تعجيل سير الدعاوى القضائية بفضل جهود التحول الرقمي المكثفة، فضلا عن أداء القطاع المصرفي وقوته.
وأشاد بالتقدم المحرز نحو منع مختلف أشكال ممارسة الفساد عبر الحدود الوطنية.
وتطرق التقرير إلى التحول الإيجابي في قطاع الإسكان السعودي، عبر عدد من البرامج التي أسهمت في رفع نسبة ملكية المنازل إلى 60.6 في المائة في عام 2022، سعيا لتحقيق هدف الرؤية المتمثل في الوصول إلى 70 في المائة بحلول عام 2030.
كما نوه إلى أهمية السياسات الصناعية في نجاح مساعي المملكة للتحول والتنويع الهيكلي ضمن رؤية السعودية 2030.
ثاني أقل انبعاثات
وأكد الصندوق نجاح جهود السعودية في خفض الانبعاثات الكربونية إلى المستوى المستهدف لعام 2030، إذ سجلت ثاني أقل انبعاثات لكل وحدة منتجة عالميا.
وأشار إلى أن تنفيذ مبادرة السعودية الخضراء سيساعد لبلوغ أهداف السعودية ببلوغ هدفها المتمثل في خفض الانبعاثات الكربونية بحلول 2030.
ورحب أيضا بخريطة الطريق التي وضعتها الحكومة لتحقيق سيناريو صافي انبعاثات صفري، إلى جانب الخطط الجارية لزيادة مصادر الطاقة المتجددة بطاقة إنتاجية إضافية قدرها 2.1 جيجاواط بحلول عام 2024.
وزير المالية يشيد بالتقرير
رحب محمد الجدعان وزير المالية بإشادة الصندوق بالإصلاحات التي يشهدها الاقتصاد السعودي وجهود المملكة المتواصلة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية.
كما نوه بشكل خاص بإشارة الصندوق إلى موقف المملكة المالي المتين وما حققته من تقدم في شفافية المالية العامة، إضافة إلى ما اتخذته من سياسات وإصلاحات مالية أدت إلى دعم السياسة المالية وتخفيف المخاطر.
ولفت إلى أن التقرير سلط الضوء على المؤشرات الحالية والآفاق المستقبلية الإيجابية للاقتصاد السعودي، والتقدم المستمر في تنفيذ أجندة رؤية السعودية 2030 والتحول الاقتصادي، مؤكدا نجاح اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات والمحافظة على الاستدامة المالية التي أسهمت في التعزيز من متانته وقوته.
ولفت إلى الدور البارز للإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي أجرتها الحكومة وحققت نموا اقتصاديا مستداما وشاملا.
المصدر الاقتصاد