لم يكن مثيراً للدهشة أن “عزوت” سيد الجزيرة العربية الأول في القرن العشرين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله “أخو نورة”؛ فالموروث العربي يجيز للرجل أن يعتزي بسيدة “في الأغلب شقيقته” ولكن يجب أن تتوافر فيها ما يستحق ذلك، وهو ما كان ينطبق فعلاً على “السيدة الأولى” في عصر الملك المؤسس، وكاتمة أسراره وملهمته في استعادة الرياض قبل 121 عاماً، الأميرة نورة بنت عبدالرحمن آل سعود.
فالأميرة نورة التي تكبر شقيقها بعام واحد، ولدت في مدينة الرياض عام 1875م وتزوجت عام 1905م من الأمير سعود بن عبد العزيز الكبير، وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود الكبير الملقب بـ”شقران”، كما أنجبت الأميرة حصة، والأميرة الجوهرة التي تزوج بها الملك فيصل.
ملهمة “المؤسس”
وفي كتابها “نساء شهيرات من نجد” رصدت الدكتورة دلال الحربي جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة التي تكبر الملك عبد العزيز بسنة واحدة، وارتبطت بأخيها عبد العزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة؛ إذ كانت تشاركه اللعب، كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبد الرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891م، كما كانت نورة بعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت عاملاً مهماً في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة مُلك آبائه، فوفقاً للمعلومات المتاحة كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد أن أخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حاراً، غير أن نورة شجعته، فدخلت عليه أخته نورة قائلة: “لا تندب حظك؛ إنْ خابت الأولى والثانية فسوف تظفر في الثالثة، ابحث عن أسباب فشلك؛ فالرجال لم يخلقوا للراحة”؛ وهو الأمر الذي انتهى إلى نجاح عبد العزيز ذلك النجاح المعروف تاريخياً.
زواج المصالحة
وطرحت “الحربي” نماذج من دور نورة المؤثر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية بعد أن استردَّ الملك عبد العزيز الرياض واستقر فيها وعادت أسرته إليها؛ ومن ذلك: أنها كانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج من سعود بن عبد العزيز بن فيصل بن تركي والملقب بسعود الكبير؛ فوفقاً للمعلومات التاريخية فإن الأخير كان على خلاف مع أخيها الملك عبد العزيز، وفي هذا الصدد كان زواجها هذا أسمى رمز للمصالحة بين عبد العزيز وأبناء عمومته، ومعه أصبح سعود الكبير من أشد المقربين والمخلصين للملك، كما أجمعت على ذلك المصادر والمعلومات التاريخية.
مسؤولة القصر
وعندما استقرت الأمور للملك عبدالعزيز في الرياض وانطلق في رحلته الطويلة لتوحيد البلاد، برز دور نورة في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية؛ فأشرفت على تسيير أمور نساء العائلة، وجنَّبت أخاها مشاكل وشؤون القصر الداخلية، وكانت تشفع عند الملك لكثير من المحتاجين ومن لهم مشاكل تحتاج إلى حل، وكان شقيقها المؤسس يستشيرها في كثير من الأمور، وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيراً ويبحث أموراً كثيرة من شؤونه، ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار.
وعهد إليها الملك عبد العزيز باستقبال ضيفات البلاد؛ حيث يتوافد على المملكة الكثير من النساء المهمات، خاصة في موسم الحج، ولا تكاد تأتي امرأة ذات شأن إلا وكانت زيارة قصر نورة من ضمن برنامجها التي تقوم بدورها بتقديم الضيفة لزوجات الملك عبد العزيز وبناته والكبيرات من الأسرة المالكة، وكان الملك يتابع قيامها بهذه المهمة ويحرص على ذلك، وكانت بدورها تحرص على عدم الإخلال بهذا الواجب.
السيدة الأولى
ولفتت شخصيتها وعلاقتها المتميزة مع أخيها والتي أتاحت لها أن تقوم بدور مؤثّر في كثير من جوانب الحياة أنظار كثير من المؤرخين والباحثين، خاصة أولئك الذين أُتيح لهم مقابلتها أو السماع عنها من قرب، فـ”فيوليت ديكسون” التي قابلتها عام 1937 مع بعض نساء الملك عبد العزيز أُعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: “من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبيةً ومرحاً”، وأنها “من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية”، أما “جون فيلبي” فقال عنها: “كانت السيدة الأولى في بلدها”، في حين سجل “ديفيد هاوارث” انطباعه عنها بالقول: “أبدى ابن سعود اهتماماً ورعاية لأخته نورة طوال حياته”.
تمر الأحساء
ووفقًا لويكيبيديا قالت حفيدتها الأميرة مشاعل بنت فيصل بن عبدالعزيز عن جدتها نورة نقلاً عن أمها الجوهرة: إن الملك عبد العزيز دخل يوماً على أخته وهي تأكل تمراً، فناولته حبة تمر وقالت: “متى نستعيد تمور الأحساء؟” وكانت حينها تحت الحكم العثماني، فنفض الملك عبد العزيز يده، وكأن هذه العبارة زادت من حماسته وعزمه على المضي في طريق المجد وتوحيد مملكته.
وفاتها
توفيت الأميرة نورة عن عمر يناهز السابعة والسبعين في شوال 1369هـ/ يوليو 1950م؛ بعد أن أصابها مرض لم يشخصه الأطباء، وبقيت تصارع المرض عاماً كاملاً إلى أن أسلمت الروح ودفنت بمقبرة العود بالرياض.