ليس من قبيل التزيد في التقدير القول بأن من أهم ما يميز أولويات السياسة الخارجية للسعودية وباكستان، هو انسجام توجهات الدولتين في سياساتها مع حقائق الجغرافيا والتاريخ التي تجمعهما، وتحوّل هذا التوافق في التوجهات إلى تحالف تاريخي، فالسعودية قبلة العالم الإسلامي وقلبه الجغرافي، وتحظى بدور ريادي على الصعيدين الدولي والإقليمي، وتلعب دور مؤثر للغاية في حفظ توازنات أسعار النفط، واقتصادها ضمن أقوى الاقتصادات في العالم.
ثقل استراتيجي
وتمثل باكستان مكوناً أساسياً لجغرافيا العالم الإسلامي في جناحه الشرقي، وتملك 1046 كيلومتراً من الحدود الساحلية المطلة على المحيط الهندي على طول بحر العرب وخليج عمان، وهو ما يجعلها على مرمى حجر جغرافياً من شبه الجزيرة العربية ومرتبطة بها في قضايا الأمن المائي، ويقترب تعداد باكستان من مائتي مليون نسمة ما يجعل منها خزاناً بشرياً داعماً للسعودية وبقية الدول الإسلامية، ومن الناحية العسكرية تتوفر باكستان على جيش كبير يندرج ضمن أقوى الجيوش في العالم، وهي الدول الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية متطورة، وتتراكم لديها خبرات واسعة في هذا المجال.
ويكمل تأثير العوامل الاستراتيجية في تعميق التحالف والشراكة بين السعودية وباكستان، عامل التقارب الديني والإنساني بين الشعبين اللذان ينعمان بأواصر أخوة لافتة، من ثمارها تفضيل 95% من الباكستانيين للسعودية وعدم رؤيتهم فيها أي شيء سلبي، بحسب دراسة أجراها مركز بيو الأمريكي للدراسات في واشنطن، الذي يعمل في مجال أبحاث الشعوب والنشر، وهو ما يجعل من السعودية وباكستان توأمة حقيقية في فضاء العالم الإسلامي الذي يضم عشرات الدول.
مصالح متبادلة
وتحرص السعودية وباكستان منذ تبادل الاعتراف الدبلوماسي قبل ما يزيد على 70 عاماً عقب استقلال باكستان سنة 1947، على تسخير إمكاناتهما بما يعود على شعبيهما بالنفع في كل المجالات، وتحويل أرض كل منهما إلى عمق استراتيجي للدول الأخرى، وفي هذا الإطار أبرمت الرياض وإسلام آباد معاهدة صداقة بينهما في 25 نوفمبر 1951 خلال عهد الملك عبدالعزيز، تتكون من خمس مواد، نصّت المادة الثالثة منها على “تعهد الفريقان الساميان المتعاقدان بأن يمنعا أياً كان من استعمال بلادهما قاعدة لأعمال غير مشروعة ضد بلاد الفريق الآخر”.
ولا تقتصر اهتمامات السياسة الخارجية للدولتين على التركيز على مصالحهما المشتركة فحسب، إذ تأخذ في الحسبان دائماً مصالح العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار تشترك الرياض وإسلام آباد، في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يتخذ من الرياض مقراً لقيادته، و”يهدف إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أياً كان مذهبه وتسميته”، ويتولى منصب قائد التحالف الفريق رحيل شريف، وهو ضابط سابق في الجيش الباكستاني.
سند قوي
وأثبتت باكستان في أحداث مهمة كثيرة داهمت عدداً من دول العالم الإسلامي أنها سند قوي يُعتمد عليه في مواجهة الأخطار، فخلال حربي عام 1967 و1973 مع العدو “الإسرائيلي” عرضت باكستان المساعدة، ولكن لم يطلب منها، وفي حرب الخليج الثانية نقلت إسلام آباد إلى السعودية قرابة 20 ألف عسكري ما بين جندي ومستشار لدحر الغزو العراقي للكويت، إضافة إلى مساندتها ودعمها الدائم للقضايا الإسلامية والعربية في المحافل الدولية التزاماً بمبدأ التضامن الإسلامي.
وتندرج زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان التي يبدأها، اليوم الأحد، في سياق التحالف التاريخي بين السعودية وباكستان، وهي امتداد للعلاقات التاريخية بين الدولتين، وتعزز النهج نفسه في تعميق التقارب والتفاهم المشترك بينهما، غير أن توقيت الزيارة وهي الرابعة له إلى هذا البلد، يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للبلدين من طبيعة الملفات التي سيبحثها ولي العهد مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وبقية المسؤولين، وتتصدر هذه الملفات القضايا الأمنية الملحة ضرورة التنسيق لمواجهة مشروع الهيمنة الإيراني، ومحاولة طهران تعكير صفو العلاقات، وتذرعها باتهامات باطلة لاستفزازهما.
ومن الملفات المهمة أيضاً تعزيز التنسيق بين الرياض وإسلام آباد لمحاربة الإرهاب لا سيما بعد نحاج تنظيم “داعش” الإرهابي في إنشاء فرع له في أفغانستان عقب هزيمته في العراق وسوريا، وتوظيف السعودية لعلاقاتها المتميزة بأطراف الصراع الأفغاني في إحلال السلام في هذا البلد بالمشاركة مع باكستان، وتوسيع نطاق الاستثمارات السعودية في باكستان وفي الصدارة منها إنشاء مصفاة النفط في ميناء جوادر الباكستاني المطل على المحيط الهندي، التي ستضمن فرص أفضل لإمداد النفط السعودي إلى الصين وباكستان وغيرهما من الدول، بالإضافة إلى ملفات اقتصادية وثقافية أخرى ستناقش خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان.