اجتاحت الإنترنت إعلانات من عدة جهات تروّج لامتلاك عقارات في تركيا تمهد للحصول على الجنسية التركية، فيما يبدو في ظاهره ترويجًا للعقارات؛ لكنه في حقيقة الأمر يمثل المحاولة اليائسة الأخيرة لأردوغان، الذي لجأ لبيع الجنسية التركية مقابل الحصول على أي استثمار خارجي يدعم اقتصاد بلاده، الذي قادته تصرفاته نحو الانهيار.
واستخدمت تركيا في هذه الإعلانات، أسرًا أو رجال أعمال سوريين لمحاولة التأثير على العرب، والتعمية على أنها حملة تقودها الحكومة التركية، فكيف لأسرة عربية أو رجل أعمال أن يضمن حصول أي مستثمر على الجنسية؟.
انهيار العملة التركية
وجاءت هذه المحاولات، بعد انهيار كبير للعملة التركية لأسوأ أداء لها خلال 17 شهرًا؛ حيث سجلت يوم الجمعة 6.2475 ليرة مقابل الدولار بتراجع 0.65 بالمائة، مقارنة مع إغلاق عند 6.2080 الخميس، مما يصل بخسائرها منذ بداية العام الجاري إلى نحو 5 بالمائة. والعملة عند أدنى مستوياتها في التعاملات الاعتيادية منذ سبتمبر 2018.
وكانت الليرة التركية، قد سجلت أسوأ أداء لها في 26 أغسطس من العام الماضي؛ حيث سجلت 6.47 مقابل الدولار حين كانت السيولة شديدة الانخفاض.
وقال مجلس أسواق رأس المال في تركيا، إنه حظر البيع على المكشوف لجميع الأسهم المدرجة في بورصة إسطنبول.
استجداء يكشف حجم الأزمة
ويكشف استجداء أردوغان للاستثمارات للحد الذي وصل به أن يعرض الجنسية التركية للبيع، مدى المأزق الذي تمر به حكومته حيث خلفت جميع حلفائها واحدًا تلو الآخر، مع ما يمثله ذلك من تعطيل للاستثمارات المشتركة وتضييق في الأسواق الخارجية أمام البضائع التركية.
وكان آخر ما خسره أردوغان في هذا الإطار، هو موسكو وطهران عقب رفضهما المغامرات التركية في شمال سوريا، بل دخولهما على خط المواجهة ضد القوات التركية وتكبيدها العديد من الخسائر، رفضًا لمحاولات أردوغان التوسعية شمال سوريا، ومحاولته فرض وجود دائم لقواته فيها.
وتمثل خسارة حلف «روسيا/إيران»، ضربة مؤلمة لأردوغان الذي حاول الاستقواء بهذا الحلف المفترض أمام الغرب وحلف النيتو، اللذين أعلنا دائمًا رفضهما مغامراته في سوريا وليبيا والبحر المتوسط، وتدخل تركيا في قضايا المنطقة، فكان الرد التركي هو الاستقواء بهذا الحلف الوليد مع موسكو وظهران، والذي ما لبث أن انهار.
عودة مرغمة للناتو
أدت الأحداث المتصاعدة في الشمال السوري، والانهيار المتواصل للاقتصاد التركي، والهجوم المباشر والخسائر الكبيرة للجنود الأتراك، إلى إجبار أردوغان مرغمًا على العودة للناتو لطلب الدعم لقواته في الشمال التركي.
لكنه طلب ينظر له حلف الناتو بكثير من الشك؛ لأنه يأتي من أردوغان الذي سبق له أن أدار وجهه نحو موسكو، فلم يعد بأكثر من التضامن مع تركيا، أما الاتحاد الأوروبي فأبدى قلقه؛ لكنه فضل الانتظار.
وأعرب حلفاء تركيا، عن تعاطفهم ودعمهم السياسي لأنقره، من جهته قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ينس ستولتنبرج، إنه تحدث مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في إدلب والهجمات على القوات التركية هناك، بعد اجتماع استمر ساعتين لمجلس الناتو. وقال ستولتنبرج إن الناتو يساعد بالفعل في منطقة الأزمات، من خلال مراقبة المجال الجوي من خلال نظام الرادار المحمول جوًا Awacs. وتابع حديثه ببضع كلمات متضامنة بالقول، تركيا هي أكثر من عانى من الأزمة في سوريا، والناتو يعبر عن تضامنه. ولكن لم تتخذ تدابير ملموسة من أي نوع.
اللجوء لواشنطن بعد إغضابها
في قمة الناتو بواتفورد بالمملكة المتحدة في ديسمبر، كانت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا لا تزال في أوجها، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان قرر على الرغم من جميع التحذيرات من واشنطن، شراء نظام الصواريخ الروسية S400.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك شكوك حول ولاء أنقرة. وأعطت المغازلة السياسية مع موسكو الانطباع بأن أردوغان يسعى إلى تغيير شركائه.
ولكن بعد الهجمات والضربات للقوات التركية في إدلب، دعا متحدث باسم الحكومة التركية إلى إنشاء منطقة حظر طيران على الحدود السورية- التركية، وكتب رئيس دائرة الاتصالات في رئاسة الجمهورية التركية، فهرتين ألتون، في تغريدة على حسابه على موقع تويتر، «يجب على المجتمع الدولي أن يتصرف لحماية المدنيين، وهذا الطلب يمكن للولايات المتحدة فقط تلبيته»؛ ليظهر قصر النظر لدى أردوغان، الذي تحول خلال شهرين فقط من تحدي الولايات المتحدة إلى استجداء تدخلها، وهو قصر نظر امتد على جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لينتهي الآن ببيع الجنسيات التي لا يستبعد أن يقوم أردوغان بعد بيعها وتحصيل ثمنها، بطرد من قاموا بشرائها ومصادرة أملاكهم تحت أي حجة، فالرئيس التركي متلون لا حلفاء له ولا تعهدات دائمة، بل مجرد سعي قاصر لتحقيق طموح شخصي يفشل فيه دائمًا، وحرص دائمًا على تجنب أي محاولة لدفع الثمن محملًا بلاده وحلفاءه مسؤولية إصلاح أخطائه، وهو تصرف يبدو أنه دفع الجميع للسأم من تصرفاته والتخلي عنه.