تصاعدت الأزمة الليبية على نحو غير مسبوق خلال الساعات القليلة الماضية، بسبب إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تجاوز الخط الأحمر (سرت الجفرة) التي حذرت القيادة المصرية من مجرد الاقتراب منه.
وعلى ضوء ما تم رصده من تحريك للمرتزقة المدعومين تركيًا تجاه خط (سرت ـ الجفرة)، أعلنت القاهرة، اليوم الأحد، عن اجتماع لـ«مجلس الدفاع الوطني» برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبحث تطورات الأوضاع الليبية، ومن المعروف أن انعقاد هذا المجلس يؤشر على وضع خطة حربية للخطر المحتمل.
في السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، اليوم الأحد، أن بلاده تراقب الأوضاع في ليبيا بكل جدية، مؤكدًا أن ما يجري في الجارة الشقيقة يشكل تهديدا جسيما للأمن القومي العربي والمصري.
وقال شكري: «نشهد محاولات من خارج الإقليم للتوسع في المنطقة العربية».
وتتجه الأنظار على الصعيدين الإقليمي والدولي صوب مدينة سرت الليبية، التي تعد بوابة الهلال النفطي في البلاد، وذلك بالتزامن مع رصد تحركات لمرتزقة تابعين لتركيا، في حين نفذ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر دوريات قبالة سرت.
ووفق ما ذكرت وكالة «رويترز»، فإن حكومة فايز السراج، المدعومة بمرتزقة نقلتهم تركيا من سوريا، حرّكت مقاتلين باتجاه مدينة سرت.
وقال شهود عيان وقادة في الميليشيات التابعة لـحكومة السراج، إن رتلا من نحو 200 مركبة تحرك شرقًا من مصراتة على ساحل البحر المتوسط، باتجاه مدينة تاورغاء، وهو نحو ثلث الطريق إلى سرت.
وردًا على هذه التحركات المشبوهة للميليشيات الإرهابية، ذكرت شعبة «الإعلام الحربي الليبي»، أن السواحل المقابلة لمدن سرت ورأس لانوف والبريقة، شهدت انتشارًا كثيفا للدوريات البحرية التابعة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
ونشر حساب شعبة الإعلام الحربي الليبي على «تويتر» صورا لانتشار دوريات استطلاعية مكثفة للقوات البحرية في سواحل مدن سرت ورأس لانوف والبريقة.
وفي ذات السياق، ذكرت مصادر ليبية أن «هناك إعادة تمركز رُصدت من قبل الجيش الليبي للقوات التابعة لحكومة السراج في المنطقة بين الوشكة وأبو قرين غربي سرت».
وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، أن الساعات المقبلة ستشهد معركة كبرى في محيط سرت والجفرة.
وأشار المسماري، إلى وجود تحركات كبيرة لميليشيات الوفاق وتركيا في محيط المنطقتين. واعتبر رئيس «مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية» محمد الأسمر، أن تكثيف الجيش الوطني الليبي لوجوده في السواحل المقابلة لسرت، يمثل تحركا استراتيجيا مهما سيحول دون نشر تركيا لأي قطع بحرية في تلك المنطقة.
وشددّ الأسمر في حديث لموقع «سكاي نيوز» على أن «رصد تدفق المزيد من المرتزقة مؤخرا وخصوصا من تونس، يكشف إصرار أنقرة والميليشيات التابعة لها على رفض أي مساع سياسية، واستغلال الوقت والحظر المفروض على السلاح لصالحها، تحضيرا لمعركة سرت».
وعن أهمية سرت والجفرة في خريطة المواجهات بليبيا، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية الدكتور طارق فهمي، إن «من يسيطر على سرت سيحظى بموقع استراتيجي مميز، وهو ما يجعل تركيا والمرتزقة والميليشيات الإرهابية تسعى جاهدة لاحتلالها».
وأوضح فهمي أن «حشد تركيا لاحتلال سرت نابع من معرفتها لدور المدينة بمنح الأفضلية للتحرك لمن يسيطر عليها في الداخل الليبي، وتهديد أمن مصر التي ستحدث تغييرا جذريا على الأرض في حال قرر الجيش المصري دخول المعركة».
وسلّط رئيس مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية محمد الأسمر، الضوء على الأهمية الجغرافية لسرت، حيث قال: «تتوسط المدينة ليبيا تقريبا، كما أن خليج سرت مهم من الناحية البحرية ورسم الحدود الإقليمية لليبيا».
وأبان الأسمر أنه «عندما تسيطر القوات الليبية على سرت فإن مصراتة مهددة، وتصبح الجفرة مؤمنة.. لسرت أهمية اقتصادية كبرى فهي تمثل عمقا للموانئ النفطية، ومن يحكم قبضته عليها قادر على تهديد أمن عدد من دول الجوار».
واسترسل الأسمر، قائلا: «كسب الموانئ النفطية هو أساس المشروع الاستعماري التركي لليبيا، لذا ستستعى أنقرة للسيطرة على سرت بكل ما أوتيت من قوة».
يُشار إلى أن سرت تبعد بنحو ألف كيلومتر عن الحدود المصرية، وتتوسط المسافة بين عاصمة البلاد طرابلس، وبنغازي على الساحل الليبي. وتجعل السيطرة على سرت الطريق مفتوحا لإحكام القبضة على الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي شرق ليبيا، التي تضم أكبر مخزون للنفط.
وفي المقابل، تقع جنوب سرت، قاعدة الجفرة الجوية المهمة، ولا يفصلها عنها سوى طريق مفتوح لا يتجاوز 300 كيلومتر. وتعد قاعدة الجفرة من أكبر القواعد الجوية الليبية، وتتميز ببنيتها التحتية القوية، التي تم تحديثها، لكي تستوعب أحدث الأسلحة، كما تشكّل غرفة عمليات رئيسية لقوات الجيش الوطني الليبي.